لطالما كان استهداف أتباع الدين خاصية طَبَعَت الجمهورية الإسلامية منذ فترة طويلة، لكنها تتصاعد في الفترة الأخيرة.
إيلاف من بيروت: في 18 يناير الجاري، أمرت محكمة في محافظة مازندران الإيرانية بمصادرة ممتلكات المواطنة البهائية شيدا تائيد ونقلها إلى "لجنة تنفيذ أمر الإمام الخميني"، وهي لجنة خاضعة لسيطرة المرشد الأعلى علي خامنئي. وسبق أن اعتقلت السلطات تائيد في أيلول/سبتمبر بتهم لم يتمّ الكشف عنها. وعلى ما يبدو، فإن أمر المصادرة استند إلى فتوى سابقة للنظام تنص على أن "ممتلكات وعقارات البهائيين غير شرعية" وبالتالي تعود ملكيتها إلى السلطات الدينية.
يقول مهدي خلجي، زميل ليبيتسكي فاميلي في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، في مقالة له نشرها الموقع الإلكتروني الخاص بالمعهد: "أعلنت محكمتان العام الماضي أن مطالب سبعة وعشرين بهائيًا بملكية الأراضي في قرية أيول غير قانونية. وتقع القرية في مازندران، المحافظة التي وُلد فيها مؤسسو هذه الديانة وأصبحت الآن تضمّ أحد أكبر المجتمعات البهائية في البلاد. ويوفّر التدقيق في الآليات والأسباب الكامنة وراء حملة القمع المتصاعدة لهذه المجتمعات لمحة مفيدة عن أساليب النظام الحالية للاحتفاظ بالسلطة".
الدولة التآمرية
يضيف خلجي: "على الرغم من قبول أتباع الديانة البهائية بشرعية الإسلام - بما في ذلك الشيعة الإثني عشرية، الديانة الرسمية في إيران - إلا أن رجال الدين التابعين للنظام يعتبرونهم منافسين محتملين منذ بداية الجمهورية الإسلامية. وترى الديانة البهائية أن العقائد المتعلقة بالمهدي الثاني عشر أصبحت في غير محلها منذ ظهور ديانتهم وحلولها محل الإسلام. ويقينًا، فالغرض من هذا الرأي ليس المواجهة - فالعقيدة البهائية واحدة من أكثر الديانات السلمية على وجه الأرض لأنها ترفض أي نوع من النزاعات العنيفة. ومع ذلك، يؤمن البهائيون بإيمان راسخ أنه من واجبهم نشر ديانتهم في أقاصي الأرض. وبما أن الإيمان بالمهدي هو الركيزة الأساسية للشيعة الإثني عشرية كما يُقال، يشعر النظام بأنه من الضرورة أن يمنع بالقوة انتشار ديانة ترفض هذا المعتقد".
بناءً على ذلك، عملت المؤسسة الشيعية في إيران جاهدة على عدم الاعتراف بالبهائية كديانة. وفي إطار العديد من الفتاوى غير المؤرخة المنشورة على الموقع الرسمي للمرشد الأعلى على الإنترنت، وصف خامنئي شخصيًا البهائيين بأنهم ملحدون "غير طاهرين" و"أعداء" المذهب الشيعي، داعيًا أتباعه إلى "تجنّب أي نوع من الاختلاط الاجتماعي مع مثل هذه الطائفة المضلَّلة والمضلِّلة". كما شدّد على أنه "يجب على جميع المؤمنين أن يواجهوا خداع وانحرافات [البهائيين]... وأن يمنعوا انحراف الآخرين من خلال الانضمام إليهم".
إلى ذلك، غالبًا ما يصف مسؤولو النظام هذه الديانة بأنها مؤامرة غربية أو صهيونية لتقسيم المجتمع الإسلامي. فمن وجهة نظرهم، يثبت واقع تواجد المقر العالمي للبهائية في إسرائيل أن قادة هذه الديانة يتآمرون مع "النظام الصهيوني". ومن المفارقات أن اليهود الإيرانيين لا يُتهمون بأنهم جواسيس صهاينة بشكل افتراضي، لكن البهائيين يُعتبرون تلقائيًا بأنهم يشكلون تهديدات أمنية وأنهم عملاء صهاينة، وفقًا لخلجي.
واقع اجتماعي غير قانوني
بحسب خلجي، الدستور الإيراني هو الوحيد في العالم الإسلامي الذي يحدّد فرعًا من الإسلام - الشيعة الإثني عشرية - باعتباره الدين الرسمي في البلاد. كما يقرّ بديانات ثلاث أخرى على أنها "ديانات أهل الكتاب": الزرادشتية واليهودية والمسيحية. وبموجب هذا البند، صنفت الجمهورية الإسلامية بشكل أساسي أتباع هذه الديانات على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية يمكنهم التمتع بالحقوق والحماية القانونية طالما يمتنعون عن الدعوة إلى اعتناق دياناتهم ولا يشكلون تهديدات أمنية في نظر النظام.
يقول خلجي: "مع ذلك، واجه واضعو دستور عام 1979 معضلة حقيقية عندما تعلق الأمر بالبهائية. فمن جهة، لم تكن هذه الديانة مقبولة في دولة الشيعة الإثني عشرية بسبب العوامل الإيديولوجية المذكورة أعلاه. ومن جهة أخرى، كان وجود شريحة كبيرة من المجتمع البهائي على الأراضي الإيرانية واقعًا اجتماعيًا. ولا تزال هذه المعضلة دون حل حتى اليوم، ويرجع ذلك عمومًا إلى أن التعبير عن حرية المعتقد ليس من الحقوق المعترف بها في خطاب الجمهورية الإسلامية أو وثائقها القانونية التأسيسية".
ضغوط حكومية وردات فعل عنيفة
في وجه هذه المعضلة، لطالما لجأ النظام إلى القمع المنهجي والتمييز والترهيب العنيف ضد البهائيين على أمل إرغامهم على الفرار من البلاد بشكل جماعي. وفي هذا السياق، تمّ قتل المئات من زعماء هذه الديانة وشخصياتها البارزة وسجنهم وسلب ممتلكاتهم على مر السنين. كما تمّ منع آخرين من الدراسة في الجامعات؛ ووفقًا لـ "التقرير القطري حول ممارسات حقوق الإنسان في إيران" الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية لعام 2020، "منعت السلطات الطلاب البهائيين من متابعة الدراسة الجامعية وضايقت أولئك الذين درسوا في «المعهد البهائي للتعليم العالي»، وهي الجامعة غير المعترف بها عبر الإنترنت". كما يُمنع البهائيون من شغل وظائف في جهات مرتبطة بالحكومة، بينما أصبحت الحملة الدعائية المناهضة لديانتهم راسخة في النظام التعليمي، والإنتاج الثقافي، والمحتوى الإعلامي في البلاد. كما يُمنع على أتباع هذه الديانة حتى الحداد سلميًا على موتاهم في العلن أو بناء مقابرهم الخاصة.
ووفقًا لما يقوله خلجي، تهدف هذه الضغوط الشاملة إلى إلغاء المشكلة بدلًا من حلها. فالنظام يثق بهذا التكتيك لأنه سبق واستُخدم بنجاح بحق ديانة أخرى - فلسنوات واجه اليهود ضغوطًا مختلفة لمغادرة الجمهورية الإسلامية، وأصبح عددهم الآن لا يزيد عن ربع ما كان عليه قبل الثورة، عندما كان نحو 100 ألف منهم يعتبرون إيران بلدهم الأم. ويتمّ التساهل إلى حدّ ما مع ما تبقى من المجتمع اليهودي بفضل عدم اهتمامه بنشر اليهودية، من بين عوامل أخرى.
ومع ذلك، فإن البهائيين في إيران أكثر عددًا من اليهود، ويرجع ذلك إلى حدّ كبير إلى واجبهم في نشر ديانتهم. كما أنهم أكثر انتشارًا ديموغرافيًا وأكثر اندماجًا في المجتمع العام. وعلى الرغم من كل الضغوط والظلم الذي تعرضوا له، لا يرغب العديد منهم في مغادرة البلاد، وخاصة الجيل الأكبر سنًا. ففي نظرهم، إيران هي موطنهم ومهد ديانتهم، لذا فإن ارتباطهم الروحي والعاطفي بالبلاد قوي جدًا.
علاوةً على ذلك، ظهرت الديانة البهائية لأول مرة بين طبقات النخبة في المجتع الإيراني، لذا لا تزال جذابة للغاية للنخب اليوم، حتى لبعض رجال الدين الشيعة. ويخشى النظام بشكل خاص من جاذبية هذه الديانة في أعين الشباب الشيعة الذين قد يعتبرون البهائية أكثر انسجامًا مع الحياة العصرية من التعاليم الشيعية التقليدية - وهذا على الأرجح السبب الرئيسي وراء الارتفاع الأخير في ضغط الحكومة.
يقول: "لجأت الجمهورية الإسلامية إلى نهج استبدادي على أمل القضاء على مثل هذه التحديات. ففي الكثير من الحالات، يتمّ حرمان النقاد السياسيين و"المعارضين" الدينيين مثل البهائيين من حقوقهم الإنسانية والمواطنة، الأمر الذي يجرّدهم أساسًا من إنسانيتهم ويحوّلهم إلى رعايا عديمي الجنسية. غير أن هذه الممارسات من قبل نظام إسلامي معلن قد شوّهت صورة الإسلام في نظر العديد من الإيرانيين، وخاصة جيل الشباب. ويبدو أن اعتناق ديانات أخرى أو الإلحاد يتزايد كرد فعل على سلوك النظام سواء محليًا أو في الخارج".
خاتمة
ويختم خلجي مقالته بالقول: "على الرغم من أن طهران لا تهتم كثيرًا بحقوق الإنسان في الداخل، إلا أنها تهتم بشكل كبير بصورتها على الساحة الدولية. فمن وجهة نظر النظام، بإمكان التشويش على أسوأ جوانب سجله السيئ في مجال حقوق الإنسان أو إنكاره، أن يساعد على بناء الثقة مع الدول الأجنبية، مما قد يسمح بدوره بمزيد من الأنشطة الاقتصادية ويخفف من مخاطر نزع الشرعية المطلق. لذلك، فإن رد الدول الغربية على انتهاكات النظام يمكن أن يُحدِث فرقًا في كيفية معاملة الأقليات. وتكتسي ردود الفعل الأميركية بأهمية قصوى، لأن العقوبات الأميركية والدولية الناتجة عن الضغط الأميركي هي أكثر ما يضر النظام. ونادرًا ما تأتي العقوبات التي تستهدف انتهاكات إيران لحقوق الإنسان بنتائج عكسية، لذلك ليس هناك الكثير من الانتقاد من حيث التكلفة والمنافع".
ويضيف: "يتعيّن عل الحكومة الأميركية أيضًا النظر في التأكيد على الإصلاح الدستوري في إيران، لا سيما الجهود الرامية للاعتراف بحرية المعتقد والمساواة بين جميع المواطنين أمام القانون. وعلى الرغم من أنه من المفترض أن يتم تغطية مثل هذه القضايا في "تقرير الحرية الدينية الدولية" المقبل لوزارة الخارجية الأميركية (الذي يصدر عادةً في نيسان/أبريل من كل عام)، على واشنطن معالجة الأمر قبل صدور هذا التقرير وبعده أيضًا. وهذا يعني إثارة قضايا حقوق الإنسان في أي مفاوضات مع إيران، بما في ذلك المحادثات النووية الجارية في فيينا. يجب أن يُنظر إلى انتهاكات النظام في هذا السياق على أنها جزءًا مرادفًا لهويته ورؤيته وسلوكه العام - الآن أكثر من أي وقت مضى، أن العوامل التي تدفع بإيران إلى انتهاك حقوق الإنسان محليًا هي نفسها المحركات وراء أنشطتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة وأجندتها العسكرية التوسعية في الخارج".