إيلاف من كان: من قلب تسعينيات العراق، وفي مواجهة إرث الحصار والقمع، يقدّم المخرج العراقي حسن هادي أول أفلامه الروائية الطويلة "كعكة الرئيس"، الذي انتزع جائزتين في الدورة الـ78 من مهرجان كان، منهما "الكاميرا الذهبية".
عمله يستحضر العراق زمن صدام حسين، بكوميديا سوداء تقلب المأساة إلى تأمل، والسخرية إلى سلاح. في هذا الحوار، يتحدث هادي عن ذاكرة الطفولة، وتحديات الصناعة الناشئة في العراق، وخياره التصوير على خام، واختياره لممثلين غير محترفين، وكيف انطلقت هذه المغامرة السينمائية رغم كل القيود.
"كعكة الرئيس" هو أول أفلامك الروائية الطويلة. كيف بدأت رحلتك معه؟
نعم، هذا أول فيلم روائي طويل لي. سبق أن عملت على أفلام قصيرة، لكن هذه أول مرة أصنع فيلماً طويلاً بالكامل في العراق. أنا درست الموسيقى في العراق، ثم درست الدراسات العليا في صناعة الأفلام في الجامعة الأميركية في بيروت، وبعدها أكملت دراستي في لويزيانا.
الفيلم يدور في فترة التسعينات، إبان الحصار الذي عاشه العراق. كيف أثر هذا الزمن على تجربتك الإبداعية خاصة أنك كنت طفلًا في تلك الفترة؟
كثير من تفاصيل الفيلم هي وقائع محفورة في ذاكرتي كطفل عراقي عاش تلك الحقبة. الجوع، الفقر، نقص الدواء، وانعدام الأمان المعيشي... هذه الأمور تظل في الذاكرة لا يمكن أن تنساها مع مرور الوقت، خاصة إن كنت قد عاصرتها في طفولتك. الحصار لم يكن مجرد أداة اقتصادية، بل كان له أثر مدمر على النسيج الاجتماعي والأخلاقي والثقافي للعراق. حتى اليوم، العراقي لا يزال يعاني من تبعات ذلك الزمن.
كيف بدأت كتابة النص؟
الفكرة كانت تراودني من قبل، لكن كتبت النص فعلياً أثناء جائحة كورونا، لما توقفت الجامعة وصار عندي وقت فراغ. كتبت النص، ثم قدمته إلى ورشة كتابة في معهد صندانس وتم قبوله. هناك نال استقبالاً جيداً، وانضم لي كل من إريك روث ومارييل هيلر لدعمي في صناعة الفيلم. كما كانت معي منتجة شاركتني المشروع منذ أيام الجامعة.
رغم جدية الموضوع، اختار الفيلم أسلوب الكوميديا السوداء. لماذا؟
العيش تحت حكم ديكتاتوري مثل صدام حسين يجعل الناس يبتكرون وسائل للتنفيس عن أزماتهم، ومنها الكوميديا. لم أرد أن أقدم الفيلم بشكل درامي ثقيل، بل سعيت لأن يحمل لمسة شاعرية وكوميديا سوداء. لأن الدخول في تفاصيل تلك الحقبة بشكل مباشر سيكون سوداويًا جدًا، والكوميديا أداة لتخفيف هذا الثقل.
حدثنا عن طاقم التمثيل.
كل الممثلين تقريبًا ممثلون لأول مرة، باستثناء شخصيتين فقط. حتى الأطفال، مثل الطفل جاسم، كانوا وجوهًا جديدة. لم نجرِ بروفات تقليدية، بل صممت أسلوب عمل مختلفًا: اخترت وجوهًا من الشارع، وبدأت أُدخل شخصياتهم في النص، وأُدرّبهم على التفاعل معه. كنا نبحث عن تزاوج بين الشخصية والنص بشكل مرن.
كم يومًا استغرق التصوير؟ وما أبرز التحديات؟
استغرقنا أكثر من 40 يومًا للتصوير. التحديات كانت كثيرة طبعًا. خاصة أننا صناعة ناشئة في العراق، والفيلم يعود بالزمن إلى التسعينات، ويضم أطفالًا، ممثلين غير محترفين، مياه، حيوانات، وجماهير... كل هذه تُعتبر محرمات إنتاجياً. لكننا خضنا التحدي ونجحنا بتنفيذه رغم الظروف الصعبة.
هل كنت تتوقع الوصول إلى مهرجان كان؟
بصراحة، لا. عندما كنت أكتب وأصور وحتى في مرحلة المونتاج لم يكن هدفي مهرجان كبير. هدفي كان أن يكون الفيلم جيدًا. لأن الفيلم الجيد يعيش، سواء شارك بأحد المهرجانات أو لا. الأهم بالنسبة لي أن الجمهور يتفاعل مع الفيلم، وأنا أتفاعل مع تفاعل الجمهور.
كيف كان استقبال الجمهور الفرنسي للفيلم؟
الجمهور الفرنسي ذائقته عالية، وقد شعرت أنهم فهموا فكرة الفيلم. وبالنهاية، بعد إطلاق العمل، لا أملك سيطرة على كيف سيفهمه الناس. أتمنى فقط أن يتفاعلوا معه بإيجابية.
يبدو التصوير على خام بدل الديجيتال؟
التصوير على الخام كان خيارًا مكلفًا جدًا وخطرًا، خصوصًا مع ممثلين غير محترفين. لعدم معرفتنا بعدد المشاهد التي ستعاد، أو كم بكرة سنحتاج إليها، وأيضًا لأننا لا نملك مختبرات تحميض في العراق. لذلك خلال مرحلة ما قبل الإنتاج، اشتغل المصور على تجربة موازية بين الخام والديجيتال، وخلقنا لونًا بصريًا يعطي إحساس التسعينات.
تناول الفيلم جانبًا مهمًا من الحياة تحت المراقبة في زمن صدام. حدثنا عن هذه النقطة.
صدام كان مهووسًا بالتنصّت، حتى على الوزراء والنواب، فما بالك بالمواطنين؟ هذا الشيء ترسخ في الذاكرة العراقية. لكن الأهم في الفيلم أنه يُظهر كيف أن الإنسان تحت الضغوط قد يقوم بأشياء لم يكن ليفعلها لولا الحاجة. المدرس، مثلاً، لولا الجوع وقلة الدواء، ربما كان سيكون إنسانًا نزيهًا. الفيلم لا يُقدّم شخصيات مثالية، بل واقعًا معقّدًا.
كان ملفتًا أن تروي القصة من خلال أطفال؟
لأن الأطفال غير منحازين، لا توجد عندهم أجندات. عيونهم تنقل الواقع كما هو، دون تلوين سياسي. وهذا ما أردته في طريقة التصوير، أن تكون موضوعية قدر الإمكان.
كيف تلقيتم خبر اختياركم في مهرجان كان؟
بعد فعاليات قمرة في الدوحة كنا على وشك الانطلاق إلى المطار لما وصلنا الاتصال يوم 9 أبريل، وهو نفس يوم سقوط صدام حسين. خبر المشاركة جاء مفاجئًا، لكنه كان مكافأة كبيرة على كل التعب.
ما هي خطط عرض الفيلم القادمة؟
لدينا دعوات من عدة مهرجانات، وسنعرض قريبًا في الشرق الأوسط والعراق. آمل أن نحصل على عرض سينمائي واسع، لأن هذه الفترة من تاريخ العراق لم تُطرق كثيرًا لا في السينما ولا في الروايات، وأتمنى أن يتفاعل معها الجمهور.