إيلاف من كان: خاض المخرج المصري مراد مصطفى تجربته الروائية الأولى بفيلمه "عائشة لا تستطيع الطيران"، الذي عرض في مهرجان كان السينمائي، ضمن قسم "نظرة ما" في دورته الأخيرة. يتناول الفيلم قصة فتاة سودانية مهاجرة تعيش في مصر، ويُسلط الضوء على التوترات الاجتماعية والنفسية التي تعصف بها في بيئة قاسية. من خلال لغة بصرية دقيقة، وشخصيات تصارع من أجل البقاء والاعتراف، يكشف مصطفى عن رؤيته لواقع لا يخلو من العنف، والسيطرة، والتناقضات. في هذا الحوار، يحدثنا عن دوافعه الفنية، وعن اختياراته الجريئة التي تهدف إلى هزّ وعي المُشاهد وتحفيزه على التفكير.
التقينا معه في "إيلاف" لإجراء هذا الحوار معه عن فيلمه "عائشة لا تستطيع الطيران"، وأفكاره السينمائية ومهرجان كان.
حدثنا عن قصة الفيلم.. وما الذي دفعك لاختيار هذه الشخصية بالتحديد؟
الفيلم يتناول قصة فتاة سودانية تعيش في حي شعبي داخل مصر، وتواجه ضغوطًا متراكمة بين عملها، والبيئة الاجتماعية التي تعيش فيها، والعلاقة العاطفية التي تربطها بطاهٍ مصري. هذه الضغوط تتحول تدريجيًا إلى عنف داخلي يتولد بداخل الشخصية. منذ اللحظة الأولى، كنت حريصًا على أن أُقدّم الواقع كما هو، من دون تجميل أو مواربة. لا أحبّ السينما التي تُقدّم الأمور باستحياء، لأن هذا النمط من الأفلام لن يُحدث تغييرًا، ولن يُعبّر عن رأي حقيقي.
إلى أي مدى ترى أن الفيلم يعبّر عن واقع المجتمعات العربية؟
هناك بالتأكيد تجارب عربية قوية ومتمردة، لكننا ما زلنا نعيش في مجتمعات، حتى على مستوى المتلقي، تتحسس من الطرح الصادم أو المباشر. كنتُ مدركًا منذ البداية أنني أريد تقديم فيلم يُشعر المُشاهد بعدم الراحة. فهو كما وصفه الناقد أحمد شوقي، "هو ليس فيلمًا لأصحاب القلوب أو المعدة الرقيقة". إنه نوع معروف، ليس جديدًا، لكنه قليل الحدوث في العالم العربي. ما أردته هو دفع الحدود وتقديم منظور مختلف.
قدمتَ سابقًا أفلامًا عن المهاجرين الأفارقة، ما الذي يميّز هذا الفيلم عن أعمالك السابقة؟
نعم، قدّمت أربعة أفلام قصيرة، منها اثنان عن المهاجرين السود في مصر، لكن كل واحد منها كان مختلفًا تمامًا عن الآخر. "عائشة لا تستطيع الطيران" هو تتويج لثلاثية تتناول هذا الموضوع. في كل مرة كنت أضع نفسي في تحدٍّ جديد، كيف أتناول القضية نفسها بطريقة مختلفة؟ وكيف أُقدّم شخصيات غير مصرية تعيش في مصر، ضمن حبكة جديدة وصيغة فنية مختلفة؟
الصراع في الفيلم يبدو معقدًا. كيف تصفه؟ هل هو صراع عنصري أم اجتماعي أم ماذا؟
أنا لا أراه صراعًا عنصريًا أو دينيًا أو طبقيًا، بل هو صراع على السيطرة. تمامًا كما هو حال أي حرب في العالم: من يملك القوة؟ نحن أمام مجتمع مصري أصيل يفرض سلطته، وفي المقابل مجتمع مهاجر – بالأخص المهاجرين الأفارقة – يزداد عددًا ويحاول فرض وجوده. هذا بطبيعة الحال يولّد صراعًا. وهذا لا يخص المجتمع المصري فقط، بل ينطبق على مجتمعات عربية كثيرة. نعيش اليوم في عالم عنيف، عالم لا يتقبل الآخر أو الاختلاف، وهذا يتجلى في الفيلم.
لماذا لم تُقدّم البطلة كضحية خالصة؟
لو قدّمتُها كضحية فقط، لكنتُ بذلك ألغيت نضالها، وسرقت كفاحها الشخصي. أنا أراها تُجاهد لتثبت وجودها، وتدافع عنه بطريقتها الخاصة، حتى لو كان ذلك يعني استخدام العنف. هذا جوهر الشخصية.
لاحظنا أن الكاميرا لها دور كبير في السرد؟
بكل تأكيد. الكاميرا هنا ليست أداة فقط، بل هي شريكة في الحكاية. أحب أن تكون الكاميرا بطلاً في أفلامي، تعبّر عن المشاعر من خلال الحركة، وصمت الممثلين، واللحظات المختارة بعناية. هذا ما يجعل الحكاية أكثر صدقًا. حين لا ينطق الممثل بالكلمات، تُتاح للمشاهد مساحة أكبر للتفكير والشعور، وهو ما أسعى إليه.
وهل تفضّل هذا الأسلوب في أفلامك بشكل عام؟
نعم، كذوق شخصي أُفضّل الأفلام التي لا يكون الحوار فيها هو الأداة الرئيسية في السرد. إن وُجد الحوار، فلا بد أن يكون منسجمًا مع مفردات المكان واللحظة، بينما الصمت – حين يُوظَّف جيدًا – يمكنه دفع القصة إلى الأمام بطريقة أصدق وأكثر تأثيرًا.