مقال جميل وواعي قرأته مؤخراً للإعلامي الكبير الأستاذ خالد محمد البيتي بعنوان: "اللامنتمي: عبدالله عبد الرحمن الزيد"، يروى فيه موقفاً للأستاذ عبدالله الزيد خلال إذاعته نشرة الأخبار حيث سمعه يقول: "قام زعيم العصابات الإسرائيلية إريل شارون... إلخ".
يقول الأستاذ خالد البيتي إنه صعق من الخبر، وأدرك لمعرفته من أستاذ عبدالله الزيد أن التسمية من عنده وليس من إدارة الأخبار! "وعندما انتهى من النشرة، جاءني سعيداً بما قال! قلت له لماذا حرفت في الخبر؟ قال هذا رأيي ولن أتنازل عنه. قلت هو رأي الجميع ولكن هذه إذاعة حكومية لها سياستها، بإمكانك أن تقرأ الأخبار كيف شئت في إذاعتك الخاصة!".
وفي اليوم التالي، يقول الأستاذ خالد البيتيّ إنه صدر قرار بنقل الأستاذ عبدالله الزيد إلى إدارة المطبوعات… مقابل التحريف الذي أقدم عليه في الأخبار، لكنه كان قاسياً على عاشق للمايكروفون.
وأقول هنا إنني أوافق أخي الأستاذ خالد البيتي في أنَّ الموظف في أي مكان أو وظيفة هو في النهاية يمثل الجهة التي يتبعها ولا يمثل نفسه أو ما يملك من آراء تجاه موضوع ما.
إقرأ أيضاً: غزة بعد تهجير أهلها: من يستقبل المسيح حين يعود؟
هذا يأخذني إلى موقف حدث لي مع معالي الشيخ محمد بن جبير رئيس مجلس الشورى، رحمه الله، عندما كنت عضواً في المجلس. فقد اختارني عضواً في وفد برلماني إلى إحدى الدول، وكان هناك اجتماع بين الوفد السعودي ووفد يمثل الخارجية في تلك الدولة، وكنت كلما ارفع يدي أطلب الحديث لا يستجيب الشيخ للطلب حتى أذن لي رحمه الله بالحديث في النهاية.
تحدثت، وعند النهاية ولما خرجنا من الاجتماع، جاء الشيخ بن جبير وأثنى على حديثي وقال إنه استغرب ولم يتوقع أن أتحدث بهذا النهج، وأن أقول ما قلته عن سياسة المملكة، ولذلك قال لي إنه تردد في إعطائي الحديث، وذلك لأنني تحت قبة المجلس كنت أقول كلاماً مختلفا وجد الشيخ إنني لو قلته تحت سقف غرفة الاجتماعات في تلك الدولة لشكل الأمر حرجاً للوفد السعودي.
قلت له رحمه الله: يا معالي الشيخ أنا في مجلس الشورى وتحت القبة أمُثل نفسي وأقول رأيي الخاص، وهذا هو المطلوب مني كعضو المجلس، أما كعضو في وفد يمثل المملكة العربية السعودية، فأنا ملزم بالحديث وفق السياسة السعودية والتعبير عنها وليس عن رأيي الخاص… وهذا هو الفرق.
وهكذا، عندما عينت سفيراً للمملكة في كندا، كنت ملتزماً بألا أنطق بأي كلام سوى ما يمثل السياسة السعودية، أمَّا رأيي الخاص فأحتفظ به لنفسي، وإلا كان علي أن أترك المنصب وأستقيل.
إقرأ أيضاً: الدرعية: من مهد الدولة إلى عاصمة المستقبل
وهكذا عندما تكون موظفاً عاماً تابعاً لجهة حكومية ما، فأنت تمثل هذه الجهة وتنفذ سياستها وتعليماتها، وكذلك عندما تكون سفيراً للبلاد في الخارج، فأنت تمثل بلادك المملكة العربية السعودية وتعكس سياساتها في مختلف القضايا، وإذا كان لك رأي مخالف، فهذا بينك وبين نفسك، وليس كلاماً تجهر به وأنت تمثل البلد وإلا لما لقبّت بلقب سفير خادم الحرمين الشريفين… وهو لقب غال عليك أن تكون قدر ما يمثله هذا اللقب لحامله.