في الثامن من كانون الأول (ديسمبر)، سجّل التاريخ يومًا لا يُنسى بسقوط بشار الأسد، خاتمًا بذلك حقبة استمرت نصف قرن من حكم عائلته التي اشتهرت بالقمع والجرائم ضد شعوب المنطقة. إنه يوم انتصار الشعب السوري وثواره الأبطال، الذين واجهوا دكتاتورية الأسد بالدماء والتضحيات، وأثبتوا أن إرادة الحرية أقوى من أسلحة الطغاة.
لقد كان بشار الأسد، حليفًا استراتيجيًا لخامنئي، ورمزًا للقمع والوحشية في الشرق الأوسط. خلال السنوات الماضية، قمع الانتفاضات الشعبية السورية بوحشية لا تُوصف، مما أدى إلى مقتل أكثر من 500 ألف شخص وتشريد ملايين آخرين. لكنه، رغم كل الجرائم، لم يستطع مقاومة ثبات الشعب السوري وإصراره على الحرية.
عندما واجه الأسد انهيار حكمه في بداية الثورة السورية، تدخل نظام خامنئي لإنقاذه. أرسل قاسم سليماني ومرتزقة فيلق القدس لدعمه، وأنفق مليارات الدولارات المنهوبة من الشعب الإيراني. بحسب تقارير، تجاوزت تكلفة تدخل النظام الإيراني لدعم الأسد 50 مليار دولار، ما يعكس عمق ارتباط النظامين في قمع الشعوب.
مع سقوط الأسد، انهار حجر الزاوية في العمق الاستراتيجي للنظام الإيراني. وكما كتبت وسائل إعلام تابعة للنظام الإيراني: "ما بناه النظام الإيراني في سوريا خلال السنوات الماضية قد انهار مع انتصار المعارضة السورية" (ستاره صبح، 8 كانون الأول - ديسمبر).
هذا الانهيار يُنذر بتداعيات تمتد إلى العراق وإيران، حيث تنبأت تقارير إعلامية بأنَّ "سلسلة الأحداث المفاجئة في الشرق الأوسط ستؤثر قريبًا على إيران" (رويداد24، 30 تشرين الثاني - نوفمبر).
سقوط بشار الأسد لم يكن مجرد انتصار للسوريين، بل أيضًا رسالة أمل للشعوب المضطهدة في المنطقة. في دمشق، رمز الطغيان، اقتحم الشعب قصر بشار الأسد، وأسقط السفارة الإيرانية التي مثّلت لعقود رمزًا لاحتلال النظام الإيراني لسوريا. في حلب، دمرت قنصلية النظام الإيراني، كإشارة واضحة على رفض الشعب السوري لنفوذ الملالي.
كما قام الثوار والشعب بتحطيم تماثيل حافظ الأسد، الدكتاتور الذي ارتكب مجازر دموية بحق 50 ألف شخص في حماة عام 1982، وجرّوا بقايا تماثيله البغيضة في الشوارع وألقوها في مكبات النفايات. إنها رسالة رمزية لمصير كل طاغية، بما في ذلك خامنئي، الذي ينتظره المصير ذاته.
في تعليقها على هذا الانتصار، قالت مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمقاومة الإيرانية: "مع سقوط بشار الأسد، الذي كان داعمًا للفاشية الدينية الحاكمة في إيران، بدأ عصر جديد في الشرق الأوسط. لقد انهار العمق الاستراتيجي لنظام الملالي، وآن الأوان لإنهاء هيمنة النظام الإيراني في المنطقة".
إقرأ أيضاً: حرب النظام الإيراني: من شوارع المنطقة إلى شوارع طهران
وأضافت رجوي أنَّ سقوط بشار الأسد يشكل فرحة ليس فقط للشعب السوري، بل أيضًا للشعب الإيراني، الذي قدّم أكثر من 120 ألف شهيد في سبيل الحرية. وأكدت أن مصير خامنئي وحرسه الثوري لن يكون أفضل من مصير الأسد، فالشعوب لا تنسى جرائم الطغاة.
مع تحرير المدن السورية، فتح الثوار أبواب السجون، وحرروا المعتقلين الذين عانوا من قمع النظام. هذا المشهد المبهج هو نذير لما سيحدث قريبًا في إيران، حيث ستُفتح أبواب سجون مثل إيفين وعادل آباد ووكيل آباد بأيدي الشعب والثوار، لتحرير المعتقلين وإنهاء حقبة القمع.
سقوط بشار الأسد لم يكن مجرد حدث عابر في سياقه المحلي، بل حمل في طياته تأثيرات استراتيجية بعيدة المدى على المنطقة بأسرها. فقد أدى انهيار حكم الأسد إلى تغيير واضح في ميزان القوى، حيث فقدت إيران أحد أهم حلفائها الإقليميين، مما جعلها أكثر عزلة وأضعف نفوذًا. هذا التطور لم يتوقف عند الجانب السياسي، بل كان مصدر إلهام لشعوب أخرى في المنطقة، حيث أثبت نجاح الشعب السوري في التخلص من دكتاتوره أن الوقوف في وجه الطغاة ليس مستحيلاً.
إقرأ أيضاً: مهاترات إيرانية للخروج من المأزق
كما أنَّ سقوط النظام السوري يمثل خطوة رئيسية في تسريع نهاية نظام خامنئي، إذ أدى فقدان العمق الاستراتيجي الإيراني في سوريا إلى تقويض أسس سيطرة النظام الإيراني وتهيئة الطريق لانهياره. من صيدنايا إلى إيفين، ومن دمشق إلى طهران، تكررت الدروس نفسها بأن الطغاة مهما كانت قوتهم لا يمكنهم الوقوف أمام إرادة الشعوب التي تسعى إلى الحرية. سقوط الأسد هو برهان على أن العدالة والحرية قادمتان لكل من يعاني من القمع والظلم، وأن الطغاة، رغم احتمائهم بالقوة والسلاح، لا مهرب لهم من نهايتهم المحتومة.
الشعوب المنتفضة في سوريا، إيران، وسائر المنطقة، تستحق حياة كريمة في ظل الحرية. ومع سقوط الأسد، بات الطريق ممهداً لكتابة فصل جديد في تاريخ الشرق الأوسط، فصلٌ يحمل في عنوانه الأمل، الكرامة، والحرية للجميع.