: آخر تحديث

الحرية والتقدّم

2
2
2

يشكو الكثيرون من المستوى المتدني جداً لمخرجات جامعة الكويت والتطبيقي، على الرغم من مئات ملايين الدنانير التي تنفق عليها سنوياً، مع هبوط مستوياتها على المؤشرات العالمية، وهذا حال أغلبية الجامعات العربية، وحتى الإسلامية، وكانت جامعات لبنان، وبالذات الأمريكية، منارة علم وشعاعاً ثقافياً كبيراً، لكن مع الحرب الأهلية وسيطرة الأحزاب الدينية، وتكميم الأفواه، تراجع مستواها، وأصبح وضعها مثيراً للشفقة. كما كانت الجامعات المصرية، وحتى فترة طويلة نسبياً من وقوع انقلاب يوليو، متميزة، خرّجت عمالقة في مختلف المجالات، قبل أن تصلها «عصا التأديب» وتسكتها، ربما للأبد.

لا جامعة يمكن أن تقدّم إضافة جيدة للمجتمع بغير حرية كاملة، والحرية تعني الحريات المقدسة، كالقول والبحث والنشر. وتعتبر جامعة اكسفورد البريطانية، الجامعة الأعرق والأكثر تميزاً في العالم، بالرغم من أنها لا تتلقى أموالاً وتبرعات، ولو قريبة مما تتلقاه منافستها الأمريكية، ومع هذا نمت وتطورت مع مرور الزمن بفضل مناخ الحرية، الذي ساعدها في المحافظة على مكانتها وتراثها.

يقول الأستاذ محمد الربيعي إن اكسفورد تحتل مرتبة عالية في أي تصنيف عالمي للجامعات، ساعدها تاريخها الضارب في العمق، الذي يعود إلى أكثر من ألف عام، وشروط الالتحاق الصارمة التي تتبعها، وكفاح اساتذتها وطلابها في أن تكون ممثلة للحقيقة، عن طريق البحث والتعليم على مستوى عالمي، وبطرق تعود بالنفع على البشرية، في مناخ خالٍ من أي قيود على حرية القول والبحث. ولم يكن غريباً أن عدداً كبيراً، ممن درسوا فيها، شغلوا تالياً مناصب نخبوية في أوروبا وحول العالم. فخريج اكسفورد يعتبر، بشكل عام، مفكّراً ومثقّفاً مستقلاً للغاية، وعقلانياً يهتم بعمق بالمجتمع ومشاكله ككل.

يعتقد الأستاذ الربيعي أن ما يميّز اكسفورد يعود أساساً إلى طريقة التدريس الفريدة، التي تشجّع الطلاب، الذين لديهم دوافع ذاتية، على الانطلاق. لذلك يجد المتفوقون بيئة طبيعية للدراسة، ومكتبات ممتازة، وفي صحبة متفوقين آخرين ذوي دوافع عالية، وأساتذة وعلماء على مستوى عالٍ من المعرفة والعلم، وكثيراً ما يقدّم فيها زوّار مرموقون وقادة عالميون محاضرات قيمة، ثم هناك غرفة النقاش في اتحاد اكسفورد، والحياة الاجتماعية المفعمة بالحيوية في أماكن تاريخية رائعة، بحيث تجعل التواجد والدراسة فيها بمنزلة جواز سفر للعمل، ولا يندم أحد على قضاء وقته بين رحابها على الإطلاق، وكل ذلك في مناخ حر خالٍ من القيود. ولا تزال اكسفورد تجذب الأفضل والألمع من باحثين ومدرسين وطلبة، وحصل الكثيرون، ممن درسوا أو درّسوا فيها، على مئات الجوائز المرموقة، منها 69 جائزة نوبل.

* * *

اكتشفت بالأمس أن ديوان الخدمة، ومنذ سنوات طويلة، يسمح للموظف الحكومي، بالدراسة في جامعة داخلية أو خارجية، والاستمرار في تلقي راتبه كاملاً، في غياب أي قانون ينظم هذا الأمر، بل بالاعتماد على أهواء المسؤولين، غالباً!

تطبيق البصمة الثلاثية كشف الوضع، وأوقع الكثيرين في ورطة! هذه نوعية من مخرجات الجامعات.

نختم ونقول إنه لا تقدّم، علمياً أو أخلاقياً أو سياسياً، يمكن تحقيقه بغير الحرية، ولا ازدهار بغير فتح المجال للأبحاث الجيدة، والسماح للأفكار بالانطلاق، ولا تقدّم بغير التعليم الجاد، الخالي من التلاعب والمحاباة!


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد