: آخر تحديث

فلول الأسد: التجربة المرة

6
6
4

ثلاثة أسباب يمكن أن تفسر فورة العنف المسلح، التي ارتكبها في الساحل بعضٌ من فلول الأسد في الأيام القليلة الماضية. أول الأسباب يمثله تواصل عمليات تعقب مجرمي نظام الأسد من قبل الأجهزة الأمنية في إطار مهماتها، والتي ما زال قطاع من السوريين يصر على إكمالها، باعتبارها خطوةً في إطار العدالة المطلوبة ومعاقبة المجرمين على ما قاموا به، والسبب الثاني استغلالهم الصعوبات الحياتية، التي يعيشها السوريون بسبب التركة الفظيعة والمدمرة، التي تسبب فيها نظام الأسد في دمار سوريا والسوريين عبر أربعة عشر عاماً من حروب وملاحقات، دمرت قدرات وإمكانات وبنى الدولة والمجتمع في سوريا، وألحقت مصائب القتل والاعتقال والتهجير والإفقار وغيرها بحق السوريين، والأمر في الحالتين يمثل وضعاً من الصعب الخروج منه في حالة سوريا بإمكاناتها وقدراتها المحدودة، وبما يحيط مواطنيها من كوارث ومصائب، والسبب الثالث والأخير، سعي ما تبقى من ميليشيات مع بقايا نظام الأسد لتحرك يثير الفوضى، ويعممها على طريق حرب أهلية، تكون مقدمةً لاستعادة إيران نفوذها، سواء بالتعاون مع بشار الأسد أو بعض من بقاياه وفلوله، حسبما أمكن.

طوال الأشهر الثلاثة الماضية، راهن فلول الأسد على الانتظار لرؤية ما يمكن أن تتمخض عنه احتمالات العهد السوري الجديد، ووصوله إلى أزمة حادة، سواء بسبب تعارضات داخلية وتمردات وصراعات في مستوى الداخل، منها الصدام مع قوى الأمر الواقع الأخرى، خصوصاً مع الإدارة الذاتية، التي تسيطر على مناطق شمال شرقي سوريا، وخطر الصراع مع المحيطين الإقليمي والدولي بسبب خلفية سلطة العهد الجديد المصنفة في إطار جماعات التطرف الديني.

غير أن أياً من هذه الاحتمالات، لم يحصل، بل العكس حدث. إذ تطورت علاقات إيجابية غالباً، ورغبات في التواصل والتشاور على أمل حل المشكلات البينية في المستويات الداخلية والخارجية، مقرونة بتوجهات معلنة للسلطة الجديدة، خلاصتها السير نحو علاقات إيجابية لسوريا مع مختلف الأطراف.

والجانب الثاني من مراهنات الفلول يتعلق بمستقبل وجودهم في سوريا في ظل أمرين؛ الأول توجه الإدارة السورية إلى تعامل لين، أساسه دعوة الجميع إلى تسليم ما لديهم وفي عهدتهم من أسلحة وممتلكات حكومية للمراكز الأمنية، والحصول على وثيقة تنظم علاقاتهم المستقبلية، وبالتوازي مع هذا الخط في مستقبل شخصيات من الفلول، سعى قسم منهم إلى نجاة فردية بالانتقال إلى دول الجوار للإقامة فيها، وغالباً من أجل العبور إلى الأبعد منها، فعبر البعض وسط أخطار كبيرة بصورة غير شرعية إلى لبنان والعراق، وانكشفت حسب معلومات أمنية في الآونة الأخيرة عشرات الحالات في لبنان، وتم تسليم أصحابها للسلطات السورية، وبينهم ضباط كبار من جيش الأسد ومخابراته.

لقد بدت احتمالات مستقبل بقائهم غير آمنة، خصوصاً بعد ما أظهره سقوط النظام من تمايز في «حاضنة النظام» بين جهتين؛ واحدة كانت خاضعةً لنظام الأسد بالإكراه، وأظهرت تقرباً من العهد الجديد، وأخرى لها علاقات حذرة مع فلوله نتيجة مخاوف أو بسبب ارتباطات اجتماعية، أو للاثنتين معاً، وشكلت حالة التمايز حافزاً لبحث خيارات أخرى، وقد جاءت جهود ومساعٍ إيرانية لتفتح بوابة نحو خيار آخر للفلول وبعض حاضنتهم، يتضمن تحركاً سياسياً عسكرياً، بالتعاون مع خلايا نائمة وتنظيمات ميليشياوية، وعلاقات مستمرة مع بنى أهلية وشخصيات كانت جزءاً من نظام الأسد، ومما عزز هذا التوجه في أوساط الفلول أنهم يملكون وحاضنتهم أسلحة وذخائر تخصهم، إضافة لما تم الاستيلاء عليه في لحظات انهيار النظام تُضاف إلى مخزون مستودعات جبال الساحل، التي أقامها الجيش في السنوات الأخيرة، وقامت طائرات إسرائيل بتدمير بعضها في الأشهر الأخيرة، كما أن الفلول لا تنقصهم الأموال، وقد نهبوا أموال الدولة وعموم السوريين، وجمعوا كثيراً من أموال الفساد والرشوة والابتزاز، التي مارسوها علناً، وهم يملكون شبكة من علاقات وكماً هائلاً من المعلومات يمكن توظيفها جميعاً في التحركات السياسية والذهاب إلى تمردات مسلحة.

لقد اغتنم الفلول تراكم صعوبات سياسية واقتصادية مع التوترات الأمنية، التي أثاروها في الصنمين، قرب درعا، وفي جرمانا بمحيط دمشق، ليفجروا انفلاتهم المسلح والمنظم في اللاذقية وطرطوس، عبر قتل عشوائي يأخذ المدنيين رهائن، وفق ما اعتاد عليه نظام الأسد، مما فتح عليهم أبواب ردود سياسية وعسكرية - أمنية، تضع حداً حاسماً لجريمتهم، بل ولوجودهم أيضاً، ولو بثمن من دماء أبرياء وآخرين كانوا يقومون بواجبهم في مواجهة جرائم فلول نظام مضى، وتخلي إيران عن مساعدة أي من حلفائها.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد