: آخر تحديث

المسمار الأخير في نعش (حزب الله) بتشييع زعيمه ؟

4
4
4

محمد بن عيسى الكنعان

بعد خمسة شهور من اغتيال حسن نصر الله زعيم (حزب الله) - في 27 سبتمبر 2024م- قام أنصاره والمتعاطفون مع الحزب بمراسم تشييعه في 23 فبراير، بعد مسيرة طويلة قضاها نصر الله في قيادة الحزب على مدار 32 عامًا. وهنا يبرز السؤال وفقًا للمعطيات الحاصلة في المشهد اللبناني: هل انتهى (حزب الله) بتشييع زعيمه إلى قبره؟ خاصةً أن إسرائيل نجحت في تصفية قيادات الصفين الأول والثاني للحزب؛ فضلًا عن التحولات السياسية الكبرى بالساحتين السورية بسقوط بشار الأسد، واللبنانية بحكومة نواف سلام، وخلفها الرئيس جوزاف عون، الذي كان قائدًا للجيش اللبناني منذ 2017م. ولعل أبرز المؤشرات على تأثير تلك التحولات على واقع (حزب الله) هو قيام السلطات اللبنانية بمنع طائرة إيرانية من المقرر هبوطها في مطار رفيق الحريري الدولي، وذلك لأسباب أمنية؛ فخرج أتباع ما يسمى (حزب الله) باحتجاجات تحولت إلى أعمال عنف وشغب وقطع لطريق المطار كنوع من الضغط على الحكومة اللبنانية، بل تعدى الأمر إلى التعدي على قوات الأمم المتحدة المؤقتة (يونيفيل). غير أن الحكومة اللبنانية وبدعم قوي من الرئيس عون لم تتراجع عن قرارها، بل استخدمت صلاحياتها في فتح طريق المطار وملاحقة العابثين بأمن لبنان.

أما لماذا تشييع حسن نصر الله هو تشييع للحزب؟ فهذا يعود إلى سببين مرتبطين ببعضهما، الأول يتعلق بواقع الحزب اليوم، والآخر يرتبط بحسن نصر الله نفسه. ولكن قبل التفصيل، أشير إلى أن فكرة تأسيس الحزب وبدايته جاءت كردة فعل للعدوان الإسرائيلي على لبنان عام 1982م، الذي استهدف الوجود الفلسطيني هناك، ونظرًا لتضرر المناطق الشيعية بالجنوب؛ فقد اتفقت شخصيات شيعية على تأسيس (حركة الأمل الإسلامية) وهي نواة (حزب الله)، أبرزها محمد حسين فضل الله، وصبحي الطفيلي، وراغب حرب، وعباس الموسوي. وهذه الحركة تختلف عن (حركة أمل) الذراع العسكري لمنظمة المحرومين التي أسسها الأمام موسى الصدر عام 1974م ويرأسها نبيه بري اليوم، وأمل هنا هي اختصار الحروف الأولى لـ(أفواج المقاومة اللبنانية). إلا أن التأسيس الفعلي لـ(حزب الله) كان عام 1985م عقب صفقة تمت بين إيران ونظام حافظ الأسد لدخول 1500 عنصر من الحرس الثوري الإيراني إلى لبنان لتدريب أعضاء تلك الحركة، التي تم تغيير اسمها إلى (حزب الله) بناءً على توجيه من أية الله الخميني قائد الثورة الإيرانية، الذي جعل من (حزب الله) ذراعه القوي في لبنان ضمن مشروع (تصدير الثورة)، ولم يتحقق ذلك بشكل كامل إلا بقيادة حسن نصر الله، الذي أعلنها صراحةً بالولاء لإيران الخميني ثم خليفته الخامنئي، خصوصًا أن صبحي الطفيلي أول أمين عام للحزب قد ترك المنصب - أو أبُعد - اعتراضًا على سياسات الحزب، فخلفه عباس الموسوي الذي اغتالته إسرائيل عام 1992م فتولى حسن نصر الله الذي كان معروفًا ومقبولًا لدى الإيرانيين، فقد سبق تعيينه عام 1981م ممثلًا للخميني في لبنان لرعاية أموال الخمس وشؤون الحسبة، ثم تعيينه ممثلًا لـ(حزب الله) في إيران، وهنا سر الارتباط الوثيق بين الحزب وإيران؛ فنصر الله أحكم سيطرته على الحزب، الذي بدوره اختطف لبنان لمدة 42 عامًا تحت منطق المقاومة، وتحرير الجنوب اللبناني، خاصةً في ظل الإغداق الكبير من قبل الحكومة الإيرانية، ما جعل الحزب دولة داخل الدولة اللبنانية، وصار يتمتع بسلطات واسعة تؤثر بالقرار اللبناني وتتحكم به، كما يملك مقومات اقتصادية وموارد مالية. فضلًا عن مؤسساته الإعلامية كقناة المنار، وإذاعة النور، وصحيفة العهد، كما يفسر هذا الدعم تدّخل (حزب الله) بالشأن السوري بعد اندلاع الثورة السورية عام 2012م.

اليوم الوضع اختلف بشكل كبير، فالمجتمع الدولي والمحيط الإقليمي برمته يتجه عكس تيار الحزب وسياساته، ولا يمكن أن يقبل ممارساته الإرهابية، أو أن تنطلي على أحد أكاذيبه التي سوقها على مدار أربعة عقود؛ فمنذ سنوات لم يتلق هذا الحزب موقفًا حازمًا، وردًا واضحًا بشأن المتحكم بسيادة القرار في لبنان كما حصل في واقعة المطار أو السيطرة على حدود لبنان مع سوريا لمنع المخدرات. أما الجماهير التي شيّعت نصر الله فليست إلا أرقامًا بالحاضنة الشيعية، التي تحجم نفوذها وسيطرتها بالشأن اللبناني. وكأن (حزب الله) يدخل مرحلة جديدة بدلالة الخطاب الضعيف، الذي ألقاه أمين الحزب نعيم قاسم، وكأنه ينعي الحزب بدق المسار الأخير في نعشه بتشييع حسن نصر الله.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد