: آخر تحديث

بحثاً عن أسرار الآخرين

6
7
4

عبده خال

الفضول حالة قابضة، يصاب صاحبها بهوس امتلاك معرفة ما لا يعرف، وقبل فترة زمنية، وفي موقع (X) تم إنشاء (هاشتاق) بعنوان: يوم الاعتراف العالمي، ويبدو أن المنشئ (الفضولي) أراد (شفط) أسرار النفس البشرية من الداخل لتكون الاعترافات صافية من غير تلفيق أو تجميل.. بل قول الحقيقة كما هي من غير خشية أو لوم..

وقبل ظهور أدوات التواصل، كانت الاعترافات محل فضول الناس، وكان البعض -وأثناء ليالي السهر- يلجأ بعض السمار إلى هذا النوع من الاعترافات كتزجية الوقت، لكن كان من الصعوبة بمكان أن تكون الاعترافات حقيقية تماماً وإنما تحدث انحرافات أو تغطية أو قفزات على الحقيقة ذاتها..

ولأن لكل إنسان أسراره الخاصة تظهر هذه اللعبة من أجل سلب تلك الأسرار أو تعرية الإنسان من أسراره التي يعيش بها كنوع من الملابس التي تستر بدنه، والنفس لها أسرار تستر أعماقها الداخلية، ومن الصعوبة بمكان أن يمنحك أي إنسان كل ما ترسخ في داخله وخشي أن يتطلع عليه الناس (وهنا لا أتحدث عن الإثم وإنما عن حقائق لا تريد أن يعرفها الآخرون)..

ورغم أن الكثير ممن شارك في هاشتاق اليوم العالمي للاعترافات هم شخصيات افتراضية تتحدث من خلال اسم وصورة مفترضة لم يستطيعوا الحديث عن اعترافات جوهرية تمس الداخل... وهذه الشخصيات الافتراضية لا يمكن أخذ اعترافاتها على أنها حقيقة بدءاً من عدم معرفة الشخصية فهي شخصية مزورة في الأساس..

والذي أريد قوله إن الاعترافات مسألة خاصة جداً وإذا أدخلنا إليها الجانب الديني كمرتكز فلن يتحدث إنسان بحقيقة داخله إلا في حالة ضيقة جداً وفي أمر واحد.. وأذكر أنني قدمت شهادة روائية في أحد المحافل الأدبية بعنوان (نسبة الاعترافات الروائية) فكان جوهر تلك الورقة أن الشخصية الروائية هي شخصية افتراضية ولا يعنيها أن تلصق بها أي تهمة وبالتالي تكون شخصية عارية ولا تحتاج أن تستتر أبداً...

وقد شاركت أيضاً في الحديث عن السيرة الذاتية عند الكتاب، فكنت ميالاً إلى نفي وجود سيرة ذاتية حقيقية أوردت كل الحقائق التي عاشها الكاتب، ذاكراً أن التركيبة الثقافية للكاتب قائمة على الستر وأي خطأ يحدثه يمكنه التستر عليه والاستغفار من فعله بينما ثمة ثقافات تحتاج إلى التطهر واللجوء إلى شخصية تسمع تلك الاعترافات، وفي الحالتين هو اعتراف لشخص واحد وفي قضية واحدة وليس أمام الجميع..

كما أن معطياتنا الثقافية قائمة على التكتم وعدم المجاهرة ومن الوصايا: ألا تقول سرك لأحد، أو من لم يكن صدره أميناً على سره فمن باب أولى ألا يكون الصدر الذي ائتمنته على سرك أميناً عليه.

السؤال الحقيقي: لماذا نريد معرفة أسرار الآخرين؟

والإجابة على هذا السؤال تفتح شهية بث الاحتمالات، ولن تصدق الإجابات كونها صادرة من أناس تتزاحم في أعماقهم رغبات شتى قد يكون أهمها الفضول في كشف دواخلهم على أنها هي إجابة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد