: آخر تحديث

غياب الطلاب في رمضان.. أين الخلل ؟!

6
4
4

نجيب يماني

لم يكن الاهتمام الكبير الذي أولته رؤية المملكة 2030 لقطاع التعليم في كافة مستوياته ومراحله إلا عن قناعة راسخة، ويقين ثابت أن نهضة أي أمّة من الأمم، واستشرافها لآفاق المستقبل الرحبة لن يكون ممكنًا دون أساس تعليمي متطور، ومواكب، ومتفاعل، مسنودًا بكل المعينات اللوجستية التي تمكّنه من تحقيق الغاية المنشودة، بما يوافي الأهداف الكبيرة التي يتغيّاها المشروع التعليمي في المملكة ضمن استراتيجيات «الرؤية»، وتطلعاتها الرامية إلى «تزويد الطلاب بالمهارات والمعرفة التي تتطلبها سوق العمل، مما يسهم في تقليل البطالة وزيادة الإنتاجية. وذلك من خلال دعم وتوفير العديد من البرامج التعليمية ذات الصلة بمتطلبات سوق العمل واستقطاب كوادر تعليمية على أعلى مستوى من الكفاءة». وأثر ذلك نشهده اليوم في حصول طلابنا على العديد من الجوائز العالمية، وتبوّئهم مراتب متقدمة في كافة المسابقات والأولمبيادات التي تقام عالميًا، بما يعني بداهة أن منظومتنا التعليمية ماضية في طريقها الصحيح، بعد أن خففت من «حمولة التلقين»، وحرّكت العقل الناقد والباحث لدى الطلاب من الجنسين، بما أسفر عن مشاريع ابتكارية، وعقول قادرة على إحداث الجديد، المواكب للنهضة الكبيرة التي تشهدها المملكة في ظل رؤيتها المباركة.

على أن العملية التعليمية، برغم كل هذه النجاحات المبشّرة والمفرحة، ما زالت تواجه بعض «الظواهر» السلبية، التي باتت تؤرّق صاحب القرار في التعليم، ولعل من أبرزها حالة «الغياب الجماعي» التي تصاحب موسم رمضان في كل عام، وهي «ظاهرة» تمنّيت على وزارة التعليم، ممثلة في إدارات التعليم في مختلف المراحل، إخضاعها للدراسة والتقييم، بعيدًا عن فكرة التلويح بالعقاب بالحسم من درجات الطلاب.

فمثل هذه المعالجة – مع كامل التقدير والاحترام – تصلح أمام الحالات الفردية، ولكنها بالضرورة لن تكون معالجة سليمة حيال أمر أصبح قضية مجتمع، ودالة ذلك أنها خرجت من محاضن إدارات التعليم ودوائره، حتى وصلت دوائر الإعلام، بإشارة إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي، وتشكيل المجموعات على وسائل التواصل الاجتماعي باتت تتحكّم في عملية الحضور والدوام المدرسي في هذا الشهر الفضيل، وذهبت أصابع الاتهام تحديدًا إلى «قروبات الأمهات»، بوصفهن الناشطات في تفعيل ظاهرة الغياب الجماعي لأبنائهن وبناتهن من دور التعليم في مختلف المراحل.. وأيًّا كانت الجهة التي أوعزت للطلاب والطالبات بهذا الغياب فإن المحصلة التي أمامنا هي غياب طال أغلب، إن لم يكن كافة مدارس المملكة، في مراحلها المختلفة، بما ينبئ عن «خلل ما»، يتطلّب إخضاعه للبحث والدراسة، وليس تطبيق بنود الأنظمة المسطورة سلفًا، حتى وإن أفلحت هذه الأنظمة بصرامتها في إعادة الطلاب والطالبات إلى مقاعد الدرس، فلا شك عندي أنها ستكون عودة «مجبرين ومكرهين»، لا روح فيها ولا شغف ولا رغبة، بما يتنافى مع مقاصد التعليم، وأهدافه في جعل البيئة التعليمية جاذبة، ومحفزة..

ولهذا؛ أملت ورجوت أن تذهب وزارة التعليم، والإدارات المعنية فيها، إلى إخضاع هذه الظاهرة للدراسة، وإشراك الأسر والطلاب والمعلمين والمشرفين التربويين، وكل من له صلة بالمنظومة التعليمية في استجلاء الأسباب، ووضع المعالجات التي تضمن سير العملية التعليمية في هذا الشهر الفضيل، وفي غيره من الشهور، بشكل سلس ومرن ومنتج ومثرٍ للطلاب..

فمن المهم والضروري أن تطرح الوزارة هذه القضية للنقاش عبر استبانات، وتقف على دوافعها، ومعالجتها بطرق تضمن حضورًا منتجًا ومفيدًا، وليس مجرد «ملء» للمقاعد بطريقة تعبر جسر الأنظمة فقط، وتضمن السلامة من عقوبة «الحسم».. ومتى ما وقفت الوزارة على هذه الأسباب فسيكون بمقدورها أن تطرح بدائل مُرضية للأسر والطلاب والمعلمين، فمثلًا يمكن استبدال الدوام في رمضان ليكون مسائيًا، مصحوبًا بأنشطة ترفيهية ورياضية تضمن حضور الطلاب، وانتظام العملية التعليمية بسلاسة ويسر، فإن تعذّر ذلك فلا أقل من تحويل العملية التعليمية في رمضان لتصبح عن بُعد عبر منصة «مدرستي»، بما يوفّر للأسر كثيرًا من العناء الذي تكابده ربّات المنزل، بخاصة وأن العبء في مجمله يقع عليهن من حيث أداء الواجبات المنزلية على كثرتها في رمضان، ومراجعة الدروس للأبناء، ومباشرة تجهيزهم للمدرسة، وانتظار عودتهم، وكل ذلك خصمًا على راحتهن، وزيادة ضغط على أعصابهن، لتصبح الدراسة عن بُعد حلاً يمكن أن يزيح عنهن بعض العبء، ويخفف عنهن كثيرًا من الأثقال..

غاية الذي آمله، أن لا يكون تطبيق «الحسم» من الدرجات هو المعوّل عليه في معالجة هذه الظاهرة، فهي ليست فعلًا فرديًا، ولكنها سلوك جمعي، يتطلّب دراسة أعمق، وحلولًا أكثر نجاعة، وأوفق في ميزان النظر السليم.

وكل عام وأنتم بخير


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد