: آخر تحديث

صيام خالد الشايع.. وإنسانية الغرب

4
3
3

تمر هذه الأيام الذكرى العاشرة على رحيل الصديق «خالد عبداللطيف الشايع»، الذي غادرنا في 19 مارس 2015، ومنذ يومها غادرنا أيضا الكثير من رواد شاليه بنيدر، الذي كان يجمعنا، لسنوات، ظهر كل يوم خميس، على مائدة أبو وليد العامرة بكل ما لذ وطاب. وكان يردد دائما بأن الوليمة التي لا «مرق» فيها، ليست بوليمة، وهذا ما كنت أحرص على توفيره، عندما كنت أطلب أن يكون الدور دوري، إن سُمح لي!

* * *

قبل وفاة خالد بثلاث سنوات كتبت النص التالي، الذي ربما يستحق النشر ثانية، بتصرف قليل، ليتماشى مع عنوان المقال:

ذهبت الى أمريكا قبل 40 عاما للدراسة، وفي المدرسة الداخلية حددوا فصولنا وسكننا وأخبرونا بضرورة حضور قداس الأحد، لكن تم إعفائي، بسبب معتقدي، بالرغم من أنني ذكرت لهم بأني كتابي مؤمن، ولا شيء يمنع دخولي الأبرشية. اعجبهم موقفي المتسامح، وكنت حينها أعرف ما يكفي عن الدين، وأن اسلافي، عندما فتحوا الشام والأندلس، لم يهدموا كنيسة ولم يقتلوا قسيسا. بعدها باشهر قليلة حلت أعياد الميلاد ورأس السنة، واحترت الى أين أذهب لأسابيع ثلاثة والسكن مغلق، والوطن بعيد؟ ولم أعلم أن إدارة المدرسة رتبت أمر قيام ثلاث أسر أمريكية باستضافتي، وهذا ما تم. كانت تجربة أكثر من جميلة. بعدها بشهرين حل شهر رمضان، فأخبرت الأستاذ المسؤول بأنني لن اشارك البقية في تناول وجبات الطعام، وأن ديني يفرض علي الصيام لشهر كامل، وسأكتفي بسندويشة في السحور، ومشاركة من يرغب في الإفطار. واعتقدت أنني سأترك لحالي، لكن الأستاذ أخذني للشيف وشرح له وضعي، فقرر هذا، على الرغم من اعتراضي، أن يقوم بتحضير وجبات خاصة لي طوال الشهر، وقد قدرت له ذلك كثيرا، لعلمي بما يعنيه ذلك من جهد إضافي عليه. تقبل الجميع وضعي وازداد فضولهم لمعرفة ما سأقوم به بعد صيام شهر، فأخبرتهم بعاداتنا في العيد والتقاء الأهل في بيتنا الكبير وقيام كبار العائلة بتوزيع الهدايا النقدية علينا، ومشاعر الفرح بصيام الشهر وتناول أول وجبة غداء بحضور الجميع. وفي اليوم الأخير من شهر رمضان، فاجأني بعض أصدقائي بإيقاظي من النوم في الرابعة فجرا، والطلب مني مرافقتهم لبيت المشرف. استغربت الأمر، خاصة ان البيت غارق في الظلام، وما ان فتحت الباب حتى فوجئت بالأنوار تضاء والجميع بالداخل يصيح بصوت واحد «عيد مبارك»! عقدت المفاجأة لساني ولا أدري ما تمتمت به من كلمات شكر وتقدير، فقد اختاروا وقتا مزعجا جدا بالنسبة لهم، وغاليا ومهما بالنسبة لي، وهو موعد العيد في الكويت نفسه، مع فارق الوقت! وهنا ايضا اذهلني اخلاصهم وتقديرهم لما يعنيه العيد بالنسبة لفرد مسلم وحيد، فشكرتهم على محبتهم، وكيف أنهم فضلوا جميعا تهنئتي على متعة البقاء في أسرتهم الدافئة! وهنا قادني مشرف الدار للهاتف، وقال إن بإمكاني إجراء مكالمة خارجية والتحدث مع أهلي لعشرين دقيقة مجانا، وأنهم شاركوا جميعا في تغطية تكلفتها، فنظرت إليهم بامتنان ولا أعتقد أنني رأيت وجه أحد منهم، فدموع الشكر كانت تغطي بصري، فقد كنت ساعتها أشعر بحنين جارف لسماع صوت والدي وإخوتي في تلك المناسبة السعيدة، وكنت أعلم ما يتكلفه الأمر من جهد ومال لإجراء مكالمة صعبة مع الكويت!

تذكرت كل ذلك اليوم وأنا أطالع الصحف، وأتذكر عشرات المساجد التي بناها أهلي وأبناء وطني في العديد من الدول ومنها لبنان وبريطانيا، والتي لم يطالبنا أحد يوما بهدمها، وشعرت بحزن شديد وأنا اقرأ مطالبة بعض نواب المجلس بهدم كنائس المسيحيين في الكويت، وتمنيت أن أتواصل مع مدرسي تلك المدرسة وأصدقائي فيها، وأعتذر لهم عما قاله السفهاء منا بحقهم!


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد