القلق والخوف والترقب والأمل هو حال الكثيرين. ففي العراق ليس الحال كما كان عليه في لبنان، ولا كما هو الحال في سوريا.
في الحالة اللبنانية، كانت هناك قوة إرادة إسرائيلية بكل جبروتها وبطشها لإنهاء حزب الله والقضاء على كل قادته وتدمير بناه التنظيمية وقدراته العسكرية. وذهب الكثير من الأبرياء ضحايا كأضرار جانبية، ناهيك عن الدمار الهائل الذي أصاب المدن اللبنانية نتيجة القصف الوحشي. وكان لإسرائيل ما أرادت وتم تنفيذ المهمة.
في سوريا، وخلال عشرة أيام، تقدمت قوات المعارضة من معاقلها أقصى الشمال السوري بشكل استعراضي من ناحية التنظيم والتسليح وحتى الأزياء العسكرية المنتقاة بشكل أنيق ومتناسق. ولم تلقَ تلك القوات المتقدمة بثبات وقوة وثقة نحو العاصمة مقاومة جدّية. وكانت كل الأجواء المحيطة والسماء من فوقهم آمنة لتحمي تقدمهم المطّرد والمرسوم بعناية، وإخراج إعلامي مرافق يغطي كافة التفاصيل. وكان الحدث كله مكتوباً بسيناريو ورعاية تركية متقنة، مع رعاية أميركية وإسرائيلية كاملة وغير مستترة، وربما من بعض العواصم العربية أيضاً.
كان هناك ضمنياً، وكما يبدو، تفاهم مع روسيا التي نأت بنفسها واتخذت موقف المتفرج ربما بسبب بعض التفاهمات حول حماية وجودها وقواعدها العسكرية المنتشرة في سوريا منذ عام 2015.
لقد تم الأمر، وبات ما كان مدبراً ومخططاً له حقيقة واقعة على الأرض، وتحققت الإرادة وسقطت دمشق على يد المعارضة، وهرب الأسد وسقط نظامه بشكل مدوٍّ سياسياً وإعلامياً وبكل الألوان.
هل سيأتي الدور على العراق لإنهاء ما تبقى من الهلال الشيعي؟ هنا لا بد أن نتوقف ونحلل مقولة "غداً يوم آخر جديد". فكل العيون تنظر نحو الشرق، حيث العراق، وماذا سيحدث؟ وهل ستطاله موجات من هذا التسونامي ورياح التغيير العاتية؟ أم ستتكسر على حدوده وتقف محلك سِرّْ؟ أم أن صنّاع القرار الإقليمي والدولي، وكل القوى والأطراف الفاعلة التي أخرجت هذا الحدث المثير لدهشة العالم كله وبنسق راقٍ في سوريا، لها رأي آخر وإرادة مغايرة فيما يتعلق بالشأن العراقي ومستقبله؟
تتواتر أخبار وتحليلات وتوقعات وإشاعات كثيرة حول ماذا سيحدث غداً، وينطلق ربما من العاصمة الإدارية بغداد ليصل إلى العاصمة الدينية النجف الأشرف.
أفضل الروايات المتواترة تروي عدداً من اللقاءات بين الأميركان من جانب، وبعض القوى السياسية والمرجعيات الدينية وممثلين عن حكومة إقليم كوردستان. هذه اللقاءات مستمرة دون تأكيد رسمي من أي جهة.
تتحدث الروايات عن شروط أميركية بضرورة حل كل المليشيات باختلاف مسمياتها، وتسليم كافة أسلحتها، ومغادرة كل قياداتها السياسيين والميدانيين الأراضي العراقية دون استثناء أي منهم، أو محاسبتهم وتصفيتهم في حال قرروا العصيان وعدم الامتثال. وكذلك حل البرلمان، وإلغاء الدستور، وإجراء انتخابات جديدة، ومنع المرجعيات من التدخل في السياسة والشأن العام، والرجوع إلى دور العبادة وذلك من باب فصل الدين عن السياسة.
هل هذا السيناريو معقول؟ وهل هو قابل للتنفيذ؟ ولماذا؟
العراق ليس كالحالة اللبنانية. فلا يوجد نفس الدافع لإسرائيل بكل جبروت وبطش أسلحتها للتدخل كما حدث في لبنان. ففي العراق لا توجد قوى معارضة أو فصائل مسلحة منظمة تحت رعاية وتمويل وتنظيم إقليمي ودولي تتبنى التغيير، كما هو حاصل في الحالة السورية، سواء كانت هذه التنظيمات تمثل قوى وطنية أو أصولية أو جهادية أو من الإسلام السياسي.
في العراق لا توجد رغبة ملحّة للتغيير. فقد كان الأميركان واضحين جداً في موقفهم بالأمس بعد سقوط نظام الأسد، إذ دعوا كل الأطراف في سوريا وبشكل واضح لا لبس فيه إلى احترام أمن وحدود كل من إسرائيل والأردن والعراق.
في العراق، ربما قد تحدث تصفيات لبعض الرموز من قيادات الفصائل والمليشيات المسلحة المختلفة، كما حدث سابقاً مع قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، وهو أيضاً ما حدث مؤخراً مع عماد مغنية وإسماعيل هنية وحسن نصر الله ويحيى السنوار وغيرهم. ولكن هذا لن يغير أو ينال بشكل كبير من النفوذ الإيراني المهيمن، فالوجوه والقيادات تذهب ويأتي غيرها ليحل محلها.
لا ننسى حقيقة واحدة، وهي أن الأميركان واليهود الذين ساهموا اليوم في القضاء على النظام السوري وطرد الإيرانيين والقضاء على نفوذهم في سوريا، هم أنفسهم الذين جاءوا بالإيرانيين إلى العراق قبل عشرين عاماً ومكّنوهم من السيطرة على شعبه وكل مقدراته.
هذا هو حال القوى التي ترسم الجغرافيا السياسية وما يقتضيه الوضع في سوريا، وهي نفسها ترسم عكس ذلك في العراق بما يتناسب وتحقيق مصالحها. فالعراق ليس لبنان، ولا هو سوريا، فلكل منهم وضع وشأن خاص في حسابات الربح والخسارة.
وغداً يوم جديد وسوف نرى وسوف نفهم أكثر.
قال المهاتما غاندي: "عندما تتغلب قوة الحب على حب القوة، سيشهد العالم السلام". ندعو من الله أن يؤلف بين قلوب إخواننا السوريين، فمخطط تقسيم سوريا ما زال مطروحاً على الطاولة، فحذارِ أن تختلفوا: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}. فالكلُّ ما زالوا يتربصون بكم، وكلٌ يبكي على ليلاه.