الوقائع والأحداث في العراق والمنطقة العربية لا يجوز التعامل معها بسردية الفزع أو غض الطرف أو نقاش غير واقعي حتى لا نهمل أو نتهاون في استحضار السياقات التاريخية للصراعات، والنزاعات، ومصادرها الحقيقية.
افتقر رأي رئيس وزراء العراق السيد محمد شياع السوداني المنشور مؤخراً في صحيفة "الشرق الأوسط" الدولية عن قمة بغداد، إلى شرحٍ وافٍ لطبيعة التهديدات الخارجية ومصادرها، والمخططات الإقليمية التي تقوض استقرار العراق، لكي تتوج قمة بغداد بثمار المُكاشفة وليس المُداراة!
فالعراق يُعد من أكثر الدول معاناة من تناقضات داخلية حادة، نتيجة التدخل الإيراني في مفاصل الدولة والمجتمع، ورعاية طهران للنزاعات، والصراعات الطائفية والعمليات المسلحة في العراق، وقد أسهم هذا التدخل في إضعاف قدرة بغداد على بناء سياسة خارجية مستقلة.
إن قمة بغداد تشكل فرصة تاريخية نادرة للعراق، لمواجهة مخططات إيران لينطلق الصوت العربي بالأجماع أو على الأقل بأغلبية خاصة من بغداد إلى طهران، لإيصال رسالة عراقية واضحة لا لبس فيها.
يتعرض العراق يومياً لامتحانات قاسية، عبر تدخلات مستمرة من الجار المسلم إيران، الذي يحشد قواه ضد الاستقرار في العراق، ويسعى إلى المزيد من التوغل في دوائر القرار السياسي من دون نهاية، ولا احترام لسيادة العراق، أو لتنوع مكونات المجتمع العراقي.
أمام العراق فرصة تاريخية في استثمار القمة العربية لأطلاق صوت عراقي وعربي ضد التدخل الإيراني في شؤون المنطقة، والعراق قبل أي دولة أخرى، ويجب أن تتزامن الرسالة مع جهد عراقي حقيقي لترميم الداخل العراقي الممزق.
للأسف، ما نشهده في العراق هو سلسلة مواقف سياسية ودينية انتقائية لصالح المخطط الإيراني في حين يغيب مشروع مدني وطني جامع ينهي الطائفية المقيتة، ويتصدى للهيمنة الإيرانية، وتغلغل أذرعها المسلحة في العراق والمنطقة العربية!
ويمكن استثمار قمة بغداد في التركيز على ترميم الوضع العراقي الممزق في الداخل، وانعكاس ذلك على العلاقات مع العالم الخارجي، ويمكن أيضا إعادة صياغة للعمل العربي المشترك في وجه التهديدات الخارجية من دون استثناء إيران من المعادلة السياسية، والعسكرية.
هل يعقل أن يستباح دم البرلماني السابق فائق الشيخ علي من ملالي إيران، ويُهجر خارج وطنه بسبب التهديد الإيراني وقرار الملالي في حين تلتزم الحكومة العراقية الصمت أمام مشهد الغربة السياسية لرمز عراقي وطني؟
وهل يمكن القبول باستمرار هيمنة إيران على الطائفتين السنية والشيعية في العراق من دون استثناء حزب "الإخوان المسلمين"، الذي يركز على رضا إيران وليس مصالح العراق!
فالأحداث الأخيرة في الأردن كشفت عن مخطط إرهابي لحركة "الإخوان المسلمين" في المنطقة العربية، وهذا لا يعني أن العراق بمنأى عن هذه التهديدات ومخططات "الإخوان"، الذين لا يزالون يتحركون في فلك المحور الإيراني!
أمام العراق بمناسبة القمة العربية فرصة لا تتكرر كثيراً في احتضان رأي وموقف واضح وحاسم ضد إيران وأذرعها المسلحة في العراق، وكذلك ضد حركة "الإخوان المسلمين" وحضر نشاطها في العراق والمنطقة العربية.
ويمكن أن تقود قمة العراق إلى رفع الحرج عن بغداد، ومنحها الدعم والحجة السياسية القوية في تبني خطاب وطني مستقل وموقف حازم ضد إيران، وحركة "الإخوان المسلمين" لكي ينعم الشعب العراقي بوحدته الوطنية واستقراره.
نتمنى أن تتوج قمة بغداد العربية بالتفاهم، والتعاون، والمكاشفة وليس التهاون والمُداراة والمراوغة في تشخيص واقعي وعملي لجميع مصادر عدم الاستقرار في العراق وخارجه، لإفساح الطريق أمام نهوض الدولة العراقية المدنية، وعودة بغداد إلى سرب الصوت العربي ضد إيران.
العراق أمام تحديات سياسية وعسكرية، يمكن القضاء عليها ومعالجتها من البوابة العربية، وبصوت عراقي أو الاستسلام دون نهاية لمخططات إيران، وتقديم مصالح سياسية وطائفية خاصة، على مصالح قومية، ومدنية للعراق.
*إعلامي كويتي