: آخر تحديث

هل تستجيب حماس لنداء غزة؟

2
2
2

في كل حرب هناك لحظة مفصلية تُحدد مسارها، واليوم تقف غزة عند واحدة من هذه اللحظات الحاسمة، حيث تلوح في الأفق إمكانية التوصل إلى صفقة برعاية أميركية، يقودها المبعوث الخاص ستيف ويتكوف، هذه الصفقة التي يراها البعض فرصة أخيرة لتجنب تصعيد كارثي، تواجه تحديات جمة، أبرزها تردد حماس في تقديم تنازلات جوهرية، وإصرارها على إدارة الأزمة وفق حسابات الوقت الضائع، متجاهلة بذلك الضغوط المتزايدة من الأطراف الإقليمية والدولية.

الإطار التفاوضي الذي يقوده ستيف ويتكوف، وهو عبارة عن صفقة جزئية تبدأ بالإفراج عن 10 محتجزين إسرائيليين مقابل وقف القتال لمدة تصل إلى 70 يوماً يتم خلالها التفاوض على صفقة نهائية، قد يكون الفرصة الأخيرة لإنهاء هذا الصراع الدامي. فبعد الدمار والمعاناة، لم يعد هناك مجال للمناورة أو التأجيل، والولايات المتحدة بالرغم من تحيزها الواضح لإسرائيل، تدفع نحو تسوية سياسية، لكن هذا المسار لن يبقى مفتوحًا إلى الأبد.

الوضع الراهن في غزة لم يعد يحتمل المزيد من التدهور، فالمفاوضات الجارية حاليًا ليست مجرد جولة أخرى من المساومات، بل هي اختبار حقيقي لإرادة الأطراف في إنهاء الحرب. الولايات المتحدة، تحت إدارة ترامب، تتعامل مع الملف بجدية غير مسبوقة، ليس حبًا في الفلسطينيين، بل لأن استمرار الصراع يهدد مصالحها الإستراتيجية في المنطقة.

ولا شك أن حماس تدرك جيداً أن صبر الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي ليس بلا حدود. فالتصريحات الأميركية المتصاعدة، والتي تعكس قلقاً متزايداً من استمرار حالة اللايقين، تشير بوضوح إلى أن واشنطن قد تلجأ إلى خيارات أكثر حزماً إذا ما استمرت الحركة في المراوغة والمماطلة. كما أن إسرائيل، التي ترى في استمرار الوضع الراهن تهديداً لأمنها، قد تدفع باتجاه تصعيد عسكري واسع النطاق، وهو ما قد يؤدي إلى كارثة إنسانية في قطاع غزة.

عبارة "لا أحد يقول لا لترامب" تحمل في طياتها دلالات هامة حول طبيعة المرحلة الراهنة. فالإدارة الأميركية الحالية، وإن كانت تبدي بعض الانفتاح على الحلول الدبلوماسية، إلا أنها لن تسمح باستمرار حالة الفوضى إلى الأبد. وستيف ويتكوف، الذي يقود هذه الجهود الدبلوماسية، لن يبقى في منصبه إلى الأبد. فالتغيرات السياسية واردة، وقد تأتي إدارة أميركية أخرى أقل تساهلاً وأكثر ميلاً إلى تبني خيارات أكثر جذرية وحسماً.

إن حماس، في تعاملها مع الوضع الراهن، تبدو وكأنها مراقب سلبي للأحداث، بدلاً من أن تكون صانعاً لها. فهي لا تدير الوضع بقدر ما تحاول فقط تمديد أمد الأزمة، متجاهلة بذلك الثمن الباهظ الذي يدفعه سكان غزة يومياً. فالحصار المستمر، والدمار المتكرر، والفقر المتزايد، كل ذلك يشكل عبئاً لا يطاق على كاهل المدنيين، الذين هم في أمس الحاجة إلى أفق سياسي ينهي معاناتهم ويفتح لهم أبواب الأمل في مستقبل أفضل.

الفرصة الدبلوماسية المتاحة الآن مع الأميركيين تمثل طوق نجاة حقيقياً. وإطار ويتكوف، بكل ما قد يحمله من صعوبات وتحديات، يظل هو الخيار الأكثر واقعية لتأمين وقف دائم لإطلاق النار، وتخفيف الحصار، وإطلاق سراح الأسرى، وربما فتح مسارات لإعادة الإعمار والتنمية في القطاع المدمر، وتجاهل هذه الفرصة أو الاستمرار في المماطلة والمراوغة لن يؤدي إلا إلى تضييق الخناق أكثر فأكثر على غزة وسكانها.

لكن، يجب الإقرار أن حماس ليست وحدها المسؤولة عن الوضع الحالي. فالاحتلال الإسرائيلي، بسياساته الاستيطانية والتوسعية، يساهم في تأجيج الصراع وتقويض فرص السلام. والمجتمع الدولي، بتقاعسه عن الضغط على إسرائيل لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، يساهم في استمرار حالة اللايقين والفوضى.

ومع ذلك، فإن اللحظة الراهنة تستدعي تحركاً حاسماً من سكان غزة أنفسهم. فهم الذين يدفعون الثمن الأكبر لهذه الحرب الطويلة، وهم الذين يملكون الحق في المطالبة بمستقبل أفضل. إن الضغط الشعبي على قيادة حماس لانتهاز هذه الفرصة الدبلوماسية، والانخراط بجدية في المفاوضات، وتقديم التنازلات الضرورية لتأمين إنهاء الحرب، قد يكون هو العامل الحاسم الذي يدفع الحركة إلى اتخاذ القرار الصائب قبل فوات الأوان.

إن التاريخ لن يرحم قيادة تضيع فرصة حقيقية لإنهاء معاناة شعبها، وتفضل عليها حسابات ضيقة ومصالح فئوية. فالمصلحة العليا لسكان غزة تقتضي الآن تغليب لغة العقل والواقعية، والانخراط بمسؤولية في المسار الدبلوماسي المتاح. فالوقت ينفد، والفرصة قد لا تأتي مرة أخرى. وعلى حماس أن تدرك أن صبر العالم، وصبر سكان غزة قبل كل شيء، ليس أبدياً.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.