: آخر تحديث

الصناعيون والتجار.. هل حان وقت الطلاق الاقتصادي؟

1
0
0

يشهد القطاع الصناعي السعودي تحولًا كبيرًا مع نموه المتسارع ليصبح ركيزة أساسية في رؤية 2030، حيث تسعى المملكة إلى تعزيز الإنتاج الصناعي والاعتماد على التكنولوجيا المتقدمة لدعم الاقتصاد الوطني وتقليل الاعتماد على النفط.

في ظل هذا التطور، تبرز الحاجة إلى إعادة النظر في الهيكلة الإدارية للصناعة، إذ إن الجمع بين القطاعين التجاري والصناعي داخل الغرف التجارية لم يعد يواكب التحديات التي يواجهها الصناعيون، بالرغم من أن الصناعة لم تعد مجرد امتداد لأنشطة التجارة التقليدية، بل باتت قطاعًا قائمًا بذاته يتطلب إدارة مستقلة تركز على الابتكار والتوسع والاستثمارات الضخمة.

وفقًا لتقارير وزارة الصناعة والثروة المعدنية، ارتفع عدد المصانع في السعودية إلى نحو 8 آلاف (7,741 مصنعًا)، كما تجاوزت قيمة الصادرات الصناعية 180 مليار ريال، مما يدل على أن الصناعة باتت تلعب دورًا رئيسيًا في الاقتصاد الوطني، وهو ما يستدعي وجود اتحاد مستقل للصناعيين يضمن معالجة التحديات الخاصة بهم ويوفر منصة مخصصة لتطوير السياسات الصناعية.

الصناعيون يبحثون عن حلول تقنية وابتكارية لزيادة الإنتاجية وتحسين جودة التصنيع، بينما يركز التجار على شبكات البيع والتوزيع وإدارة سلاسل الإمداد، وهذا التباين في الأولويات يجعل من الضروري إنشاء كيان إداري مستقل للصناعة بعيدًا عن أنشطة التجارة التقليدية لضمان نمو الصناعات المتقدمة مثل السيارات الكهربائية والصناعات العسكرية والطاقة المتجددة.

في العديد من الدول الصناعية الكبرى، يدير الصناعيون شؤونهم عبر اتحادات مستقلة توفر الدعم والتوجيه بعيدًا عن الغرف التجارية التقليدية. في ألمانيا، يوجد اتحاد الصناعات الألماني (BDI)، الذي يمثل أكثر من 100 ألف شركة صناعية، ويسهم في صياغة السياسات الصناعية، دعم الابتكار، وتعزيز التنافسية في الأسواق العالمية.
هذا الاتحاد يساعد الشركات على تطوير استراتيجيات طويلة الأمد، ويدعمها في التوسع ضمن الأسواق الدولية من خلال المبادرات الحكومية والشراكات مع القطاع الخاص.

في الولايات المتحدة، يقوم الاتحاد الوطني للمصنعين (NAM) بدور مشابه، حيث يضم آلاف الشركات الصناعية، ويوجه السياسات الاقتصادية والتجارية لخدمة مصالح المصنعين، مما يعزز بيئة الأعمال داخل الولايات المتحدة، ويمنح الصناعيين منصة قوية للتفاوض مع الجهات الحكومية.

تُظهر هذه التجارب أن الصناعيين يحتاجون إلى اتحاد مستقل يعكس احتياجاتهم، بدلاً من أن يكونوا جزءًا من كيانات تجارية شاملة.

هذا النموذج سيتيح لهم التركيز على الابتكار والاستدامة، بدلاً من التعامل مع قضايا التجارة التقليدية التي لا تتناسب مع طبيعة أعمالهم الصناعية.

إنَّ إنشاء اتحاد مستقل للصناعيين سيكون خطوة ضرورية لدعم مستهدفات رؤية 2030 التي تهدف إلى زيادة مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي وتوسيع الاستثمار في التقنية والابتكار، كما أنه سيمكن الصناعيين من الحصول على دعم مخصص لمشاريعهم الصناعية، وتطوير سياسات تمويل تتناسب مع طبيعة أعمالهم، وتحقيق تمثيل أقوى في القرارات الاقتصادية والتنموية، وهو ما سيعزز بيئة الاستثمار الصناعي ويجعلها أكثر قدرة على المنافسة عالميًا.

ومع أن فكرة الفصل بين القطاعين التجاري والصناعي تبدو حلاً مثاليًا لدعم نمو الصناعة، إلا أنها لن تتحقق إلا من خلال تعاون وزارتي التجارة والصناعة لإعادة هيكلة العلاقة بينهما واستقلال كل قطاع بإدارة منفصلة.

هذا التعاون سيتيح لكل قطاع تشكيل مجلس إدارته وفقًا لأولوياته الخاصة، بدلاً من أن يكون القرار في يد الوزيرين عبر تعيين بعض الأفراد لإكمال مجلس الإدارة، حيث يتمكن التجار من اختيار ممثليهم بناءً على خبراتهم التجارية، والصناعيون من تشكيل مجلس إدارتهم بناءً على احتياجاتهم الصناعية والتقنية، مما يخلق بيئة أكثر عدالة وكفاءة في اتخاذ القرارات.

إنَّ وجود اتحاد مستقل للصناعيين لن يكون مجرد خطوة تنظيمية، بل ضرورة اقتصادية تفرضها التحولات العالمية، حيث تحتاج الصناعة السعودية إلى بيئة مناسبة للنمو بعيدًا عن أولويات التجارة التقليدية، ما يتيح للصناعيين التركيز على احتياجاتهم الخاصة دون أن تؤثر مصالحهم على توجهات الغرف التجارية التي تضم مختلف الأنشطة الاقتصادية.

هذا الفصل سيعزز القدرة التنافسية للصناعة، ويمكّنها من تحقيق تطلعاتها المستقبلية وفق رؤية واضحة، بعيدًا عن أي تعارض مع المصالح التجارية التي لها طبيعة مختلفة في إدارتها وتوجهاتها.

لهذا السبب، فإن إنشاء اتحاد مستقل للصناعيين يمكن أن يكون خطوة نحو المستقبل، حيث تصبح الصناعة أكثر استقلالية ومرونة، وتتمكن من تحقيق أهدافها الاستراتيجية وفق رؤية واضحة دون أن تتأثر بتحديات القطاعات الأخرى، مما سيجعل الاقتصاد السعودي أكثر قدرة على المنافسة في الأسواق العالمية ويضمن تحقيق نقلة نوعية في مسار التنمية الصناعية في المملكة.

هذه النقلة ليست مجرد تحسين تنظيمي، بل هي استجابة ضرورية للتطورات المتسارعة التي يشهدها الاقتصاد السعودي، حيث تحتاج الصناعات إلى كيان يعكس طموحاتها، يدافع عن مصالحها، ويعمل على تحقيق استدامتها في ظل المشهد الاقتصادي العالمي المتغير.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.