: آخر تحديث

إيران وسوريا بعد سقوط الأسد: بين الكراهية الاستراتيجية وتغير المعادلات

1
1
1

شكّل سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول (ديسمبر) 2024 منعطفاً تاريخياً وحاسماً في المشهد الإقليمي، حيث تلقّت إيران ضربة استراتيجية غير مسبوقة بفقدانها أحد أهم حلفائها في المنطقة وركيزة ما يُسمى بـ"محور المقاومة". هذا الحدث لم يكن مجرد خسارة لحليف سياسي، بل أطاح بمشروع إقليمي استثمرت فيه طهران لعقود، وجعلها أمام واقع جديد يتطلب إعادة حسابات شاملة في سياساتها الخارجية.

رد فعل القيادة الإيرانية
منذ الأيام الأولى لسقوط الأسد، برزت تصريحات حادة من المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي اتهم الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا بالتآمر على سوريا، واعتبر أن ما يجري هو نتيجة تدخلات خارجية تهدف إلى زعزعة استقرار المنطقة. خامنئي لم يخفِ كراهيته للقيادة السورية الجديدة، وهاجم قادة المعارضة وعلى رأسهم أحمد الشرع (الجولاني)، واصفاً تحركاتهم بأنها "باطلة وزائلة"، ومتوعداً بأنهم "سيذهبون قريباً".

وبرغم كل هذه التصريحات، حاول خامنئي أن يظهر أن سقوط الأسد لا يعني نهاية المقاومة، بل هو مجرد محطة مؤقتة في صراع طويل مع الغرب وإسرائيل.

هذه الخطابات، التي حملت نبرة عدائية واضحة تجاه دمشق الجديدة، عكست حالة من الغضب والارتباك في طهران، وسعت في الوقت ذاته إلى رفع معنويات أتباع إيران في المنطقة ومنع انهيار ما تبقى من مشروعها الإقليمي.

بين الدبلوماسية والتحريض
في الوقت الذي حاولت فيه وزارة الخارجية الإيرانية تبني خطاب دبلوماسي أكثر هدوءاً، وعبّرت عن رغبتها في علاقات متوازنة مع سوريا الجديدة، لجأت بعض الأجنحة المتشددة في النظام الإيراني، وعلى رأسها الحرس الثوري، إلى التلويح باستخدام أدوات الفوضى والميليشيات لزعزعة الاستقرار في سوريا. هذا التناقض في المواقف يعكس ارتباكاً استراتيجياً في طهران، حيث لم تستوعب بعد حجم الخسارة ولا تزال تبحث عن طرق لاستعادة جزء من نفوذها، سواء عبر التحريض أو عبر القنوات الدبلوماسية.

ومع ذلك، واجهت إيران رفضاً رسمياً غير مسبوق من دمشق، حيث حذّر وزير الخارجية السوري الجديد طهران من التدخل في الشؤون السورية ودعاها لاحترام سيادة البلاد، كما رفضت القوى العربية والإقليمية أي محاولة إيرانية لإشاعة الفوضى أو إعادة سوريا إلى محور المقاومة.

نهاية النفوذ أم بداية مرحلة جديدة؟
أصبح من الواضح أن استعادة إيران لنفوذها السابق في سوريا بات أمراً شبه مستحيل في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية، وغياب الحاضنة الشعبية السورية لأي دور إيراني مستقبلي. القيادة السورية الجديدة تسعى اليوم لتعزيز استقلال قرارها الوطني، وفتح صفحة جديدة من العلاقات المتوازنة مع الجوار العربي والدولي، بعيداً عن المحاور والصراعات الإقليمية التي أضرت بسوريا لعقود.

وفي المقابل، تدرك طهران أن استقرار سوريا لا يخدم مصالحها، وأن فقدانها لهذا العمق الاستراتيجي يهدد مشروعها الإقليمي بأكمله، خصوصاً مع تصاعد الضغوط على أذرعها في لبنان والعراق واليمن. لذلك، قد تستمر إيران في محاولات التأثير عبر أدواتها التقليدية، لكنها تصطدم اليوم بجدار من الرفض الرسمي والشعبي والدولي.

خلاصة المشهد
في ضوء التقديرات التي تشير إلى أن النظام الإيراني أنفق مليارات الدولارات في سوريا، يتضح مدى الضربة التي تلقاها الملالي الحاكمون في طهران نتيجة سياساتهم التوسعية. فقد سعت طهران إلى تحويل سوريا إلى رأس جسر ومحور أساسي في مشروعها الإمبراطوري الوهمي الذي کان يحلم به خامنئي للهيمنة على المنطقة. وهذا ما كشفت عنه المعارضة الإيرانية، وخاصة منظمة مجاهدي خلق، مراراً وتكراراً على مدى السنوات الماضية، حيث فضحت الأبعاد المالية والعسكرية لهذا التدخل المدمر الذي لم يحقق سوى الفشل والخسائر للشعبين الإيراني والسوري.

سقوط الأسد لم يكن مجرد حدث سياسي عابر، بل زلزال استراتيجي أخرج سوريا من الفلك الإيراني وأجبر طهران على مراجعة حساباتها. وبينما يحاول خامنئي وقادة النظام الإيراني إظهار التماسك والتحدي، إلا أن الواقع الجديد يفرض على إيران مرحلة من التريث والتكيف، مع إدراك متزايد بأن زمن الهيمنة على سوريا قد انتهى، وأن مستقبل العلاقات بين البلدين سيكون محكوماً بمصالح دمشق الجديدة، لا بأجندات طهران القديمة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.