أحمد المغلوث
في مساء حار ورطب في مثل هذه الأيام خطر على بالي الذهاب لعين الحارة للاستحمام، ولم تكن أيامها قريبة من مدينتي «المبرز» كما هي الآن. حيث باتت وسط المدينة تقريباً. ركبت «دراجتي» التي خسرت عليها مصروفي الأسبوعي لأجعل منها لوحة مسفوفة تسير على عجلات وتسر الناظرين، والذي قام بعملية «السف» يعتبر من أفضل سفاف في المدينة للدراجات، وكان الطريق من بيتنا بحي السياسب إلى العين لا تحتاج لتلف أو تدور فالطريق إليها «سيده»، أو كما يقول أهل اللغة مستقيم، حتى «المروية» في ذلك الزمن والذين ينقلون المياه الصافية عبر «المصاخن» والقرب على حميرهم لا يحتاجون إلى توجيهها للوصول إلى البيوت التي يتعاملون مع أصحابها «المروي»، فحميره تعرف طريقها المعتاد لبيوت أصحابها، فهي ما شاء الله «دليله» ولا الكلب «لاسي» الذي أبدع في الأفلام والمسلسلات الأمريكية. من البيت مروراً ببوابة الحارة بعدما اقتحمت البوابة مساءً جديداً وكانت تداعب وجهي نسمات باردة قادمة من البساتين حول العين. المسافة وقيادة دراجتي لم يأخذ مني وقتاً طويلاً كانت العين التي تشبه «البحيرة» المترامية الأطراف في ذلك الوقت التي وصلت إليها كانت مشرقة، والقمر كان يسبح في مياه العين. مشهد يجعلك تحمد الله على جمال وتناغم أضواء القمر المنعكسة على مياه العين وتكاد تراها تتحرك بل تتراقص في دعة وصمت لولا ما يحدثه البعض من الذين يتسابقون داخل المياه أو ما يحدثه البعض من الذين يغسلون ملابسهم أو معازيبهم من أصوات.. أسندت «دراجتي» على الجدار الإسمنتي من الخلف وخلعت ملابسي الخارجية ولم يتبقَ إلا هافي الأمريكي المنثور على قماشه ورود وكان أهداني إياه ابن خالتي الذي يعمل في أرامكو بعد عودته من دورة في أمريكا، كنت حريصاً على أن أعتني بترتيب ثوبي الآس ووضعت ساعتي الوستن داخل جيبي الأيمن وطاقيتي المرصعة بدوائر زخرفية كأنها جنيهات ذهبية، وكانت من بقايا ملابس العيد.
في ذلك الوقت لم أكن أحب وضع غترة على رأسي أشعر أنها تعيق حركتي ولكن أحب الطاقية الزري، كنت أحضرت معي صابونة «لوكس» الشهيرة وليفة ذات اليدين وحتى اليوم وفوطة من بقايا الحج والعمرة، وأنا أكتب هذه الحكاية أحب استخدام نفس النوعية من الليف ويبدو أن بيننا ألفة على امتداد العمر وذكريات لا تنسي، بعدما اطمأنيت على وضعية الدراجة وملابسي داخل السلة الخلفية توجهت وعلامات الفرح تكاد ترسم لوحات على وجهي، ألقيت السلام إلى ثلاثة كانوا خلف الجدار أحدهم كان مشغولاً بغسيل مجموعة من الملابس، أما ثالثهم فنظر إلي وهو يرحب بي ويردد اسمي شكرته على ترحيبه كان وجهه مألوفاً لي، فيبدو أنه من أهل الحي الذي أسكن فيه ووضعت على بعد مسافة منه الصابونة والليفة، وعلى الجدار الفوطة وأسرعت في القفز داخل مياه العين «البحيرة»، كانت المياه حارة ولكنها تشعرك بلذة، وحتى البرودة الخفيفة الذي ينثرها النسيم القادم من غابات النخيل المجاورة للعين، بعد أن استمتعت بالسباحة والاستحمام جففت نفسي بفوطة الإحرام وتوجهت إلى دراجتي فلم أجدها.. فعدت سريعاً للرجال الثلاثة فسألتهم عنها فدهشوا، وقال الذي يعرفني الله يعوض عليك وعلى أبوك، وأضاف أحد يأتي إلى هنا في الليل بدراجة ثمينة أكيد واحد من «الرعام» معجب بها ورصدك وأخذها، فرددت عليه باكياً المهم ساعتي داخل ثوبي وكيف أرجع للبيت؟ فقال الذي كان يغسل الثياب: الحمد لله الليل ستار لف الفوطة حول جسدك وتوكل على الله.