: آخر تحديث

العمر اختيار

3
3
3

يتغيّر الإنسان كما تتغيّر الفصول، لا دفعة واحدة، بل بخطوات هادئة لا نكاد نلحظها إلا حين ننظر إلى الوراء. في ملامحنا تنطبع سنواتنا على شكل خطوط وتجاعيد، وفي أرواحنا تتبدّل أولوياتنا، فنصبح نسخة مختلفة، ليست أسوأ بالضرورة ولا أفضل، بل بالتأكيد تكون أكثر نضجًا وفهمًا.

لا يختلف اثنان أننا في البدايات، ننفعل بشكل أسرع ونغضب بقوة وبحدة أكثر، وأحلامنا تمتد ولا حدود لها.

عندما يتخلى الإنسان عن طيب خاطر عن أمور كان يعطيها أكبر من حجمها في مرحلة من حياته، ويغض النظر عن أمور كثيرة كانت تسحب من طاقته وترهقه، نفهم أن كثيرا من المعارك التي كنا نخوضها في حياتنا سابقا بقصد او من دون قصد.. كانت بالفعل لا تستحق خوضها، وأن السكينة أغلى من الانتصار.

حينها نعي أن الوقت حان لنميل اكثر الى التسامح والسكينة والتعقل، ويكبر فينا الميل للفهم، ونعي جيدا ان الوقت حان لنضوج الرؤية واتزان القلب.

العمر يمنحنا سنة بعد سنة وعقداً بعد عقد.. بصيرة وقدرة أكبر على التقدير، ورغبة أقل في الدخول بدقائق التفاصيل والتعلق بها.

نشعر مع العمر اننا اصبحنا نميل اكثر للامتنان للأشياء البسيطة التي نكتشف راحتنا وسعادتنا فيها، وأولها الهدوء والبعد عن التكلف والرفاهية المبالغ بهما.

يتغيّر الانسان في مراحل حياته كما الفصول، بخطوات هادئة لا نلحظها إلا حين ننظر إلى الوراء في لحظة ما في حياتنا.

شكلياً.. سنوات العمر تطبع ملامحها على وجوهنا، ومعنوياً.. تتبدل أولوياتنا، فنصير نسخاً مختلفة من أنفسنا القديمة، لا أسوأ بالضرورة ولا أفضل، بل أكثر نضجًا وأكثر فهمًا لمعنى الحياة.

وهناك منا من يشيخ مبكرًا رغم صِغر عمره، وهناك من تختبئ سنوات عمره بين ثنايا تفاؤله وبساطته وحكمته.. والضوء الذي يحمله في داخله.

هذا الضوء يهدينا الى انه حان الوقت لئلا نغضب سريعاً، لأن الغضب لا يُغيّر شيئاً، واننا يجب ألا نبرّر كثيراً، لأن من يريد أن يفهمنا سيفعل من دون شرحٍ وتفصيل.

هنا ينضج فينا التقدير ونصبح أكثر امتناناً للأشياء الصغيرة: جلسة هادئة، ضحكة صادقة، فنجان قهوة مع من يحبه ويعزه القلب، من دون تكلف ولا مواعيد.

نصبح مع العمر أكثر رحمة وأقل قسوة على أنفسنا، لأننا بالتأكيد أدركنا أن الكمال وهمٌ، وأن العافية كنز، وأن العلاقات لا تُقاس بطولها بل بصدقها وعمقها في كل الظروف والاحوال.

يجب ألا نصر على ما يرهقنا ويتعبنا ويشيخنا، علينا ألا نرفض التغيّر، فنصبح أسرى لما كنا، لا لما يمكن أن نكون.

بالنهاية العمر اختيار، والتقدم بالعمر لا يعني نهاية الشباب، بل بداية وعي أعمق.. بأن الجمال الحقيقي لا يُقاس بما نراه، بل بما نشعر به ونمنحه للآخرين.


إقبال الأحمد


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد