عبداللطيف الضويحي
 
لم يعد الابتكار رفاهية أو ترفاً أو وجاهةً، بعدما أصبح وسيلة البقاء الأساسية في ظل احتدام المنافسة الشرسة، وبتأثير إيقاعات السرعة الهائلة للتغيير، ومن خلال أجيال متلاحقة من برامج وتطبيقات التقنية وما تفرضه من تحديات مصاحبة.
الابتكار لا ينبع من نقطة واحدة محددة فقط، فالفضول والتساؤل هما الوقود الذي يشعل الومضة الأولى كما يعتقد، يضاف الشغف والمعرفة والجرأة على التجربة بالانطلاق دائماً مما يزعجك أو يبهجك ومن الحاجة لك ولغيرك من المجتمع، وهذا كله مع فضولك الذي يغذي البحث ويقودك دائماً إلى الوعي الشامل بأهمية ومعنى وقيمة وضرورة الابتكار لتلبية الحاجات التي جاء الابتكار من أجلها، تماماً مثلما أن هناك عوامل ومحطات مفصلية تمر بخط الإنسان الزمني ومسيرته الحياتية نفسياً وعقلياً واجتماعياً واقتصادياً تسهم مباشرة وغير مباشرة بالإسراع أو الإبطاء بتفجر الابتكار وبزوغ نجمه بحيث يرى النور.
البنية التحتية للابتكار تتشكّل من فضول واهتمام الشخص مع الحضانات الأسريّة والمدرسيّة والبيئة الاجتماعية والظروف المادية والثقافية واللوجستية لتلعب دوراً مهماً بقتل الابتكار أو ميلاده وانطلاقته. فليس صحيحاً أن العباقرة والأذكياء فقط هم المبتكرون. فإذا البذرة الصحيحة لا تكفي لإنبات نبتة طبيعية من غير تربة صالحة وقبل ذلك وبعده الري بالماء، يمكن فهم الظروف والعوامل التي تقف وراء وخلف وبجوار وأمام أي ابتكار.
لا بد أن ندرك أن عشرات آلاف الابتكارات لم ترَ النور للأسف؛ لأنها إما جاءت في بيئة مهنية أو اجتماعية غير مواتية، أو أنها تزامنت مع ظروف مادية ولوجستية غير مساعدة، أو أن صاحب الابتكار لم يكن جريئاً بما يكفي للوصول بابتكاره إلى حيث يجب.
المتابع للمشهد السعودي في السنوات الأخيرة، يرى تنامياً ملحوظاً لثقافة الابتكار في بعض المؤسسات الأكاديمية والمهنية والبحثية وريادة الأعمال، إلا أن اللافت في المشهد غياب أو شبه غياب لبعض مناطق ومحافظات المملكة مع غياب مؤسسات تلك المناطق بما فيها جامعة المنطقة والمؤسسات الحكومية والمهنية وروّاد الأعمال، مما يضع علامة استفهام على أسباب غياب وتكرار غياب بعض مناطق المملكة عن حراك الابتكار وأسباب عدم انخراط تلك المناطق في ثقافة وفعاليات ومنصات الابتكار إلى الآن أو الانخراط شكلياً وعلى استحياء.
أخيراً، لا يجوز حرمان بعض المناطق وطلاب بعض الجامعات من الانخراط في ثقافة الابتكار وحراك الابتكار، بسبب محدودية نظرة مدير الجامعة في المنطقة أو قدرات محدودة لمسؤول حكومي لا يرى الابتكار إلا ترفاً ووجاهة ومضيعة للوقت. فالابتكار ليس خياراً، ولذلك قد يكون الوقت حان لمساءلة المنطقة الإدارية والمؤسسات الحكومية والمهنية والبحثية فيها، إذا تكرر غياب المنطقة عن فعاليات وحراك الابتكار ومنصاته. ولا يجوز أن يبقى أبناء منطقة أو أبناء مناطق خارج ثقافة الابتكار لأسباب تتعلق بقصور رؤية هذا المسؤول أو ذاك. وفي الوقت نفسه تتم دراسة أسباب غياب أو شبه غياب بعض المناطق خاصة مؤسسات مثل الجامعات عن المشهد السعودي في الابتكار.

