: آخر تحديث

الفساد المالي والإداري أداة تدمير الدولة

1
3
1

صحيح أنَّ ظاهرة الفساد المالي ليست حديثة، ولكنها على الأقل قديمًا كانت محدودة وربما غير ملموسة في أكثر الأحيان.

إنَّ تفاقم ظاهرة الفساد المالي والإداري في أي دولة هو آفة خطيرة وتعد سببًا لتقويض شرعية نظم الحكم من خلال تدمير مفهوم سيادة القانون، لأنَّ قوة إنفاذ القانون هي بالضد من انتشار الفساد والرشوة التي تعتبر أحد أبواب الفساد الصغرى.

إذا ما توسعت ظاهرة الفساد المالي، فسوف تكون سببًا مباشرًا في هزّ ثقة المواطنين في المؤسسات العمومية الموكلة إليها تقديم الخدمات للأفراد والمجتمع، إذ تتلاشى قدرة المؤسسات وتتدهور قابليتها على تقديم خدمات أساسية في حقول الصحة والتعليم والإسكان وتطوير البنية التحتية للاقتصاد، مما يشكل عاملًا مهمًا في خلق بيئة طاردة للاستثمارات الأجنبية التي أول متطلباتها تبحث عن سيادة القانون والشفافية وكفاءة الإدارة الحكومية.

حقيقة أنَّ أول ضحايا الفساد هو المواطن نفسه، والذي يرى بعينه أن الموارد المالية المخصصة في الميزانيات العمومية للخدمات العامة تذهب إلى جيوب الفاسدين، وهذا يدفع إلى شعور المواطن بعدم الرضا وانعدام المساواة ونشوء طبقة طفيلية تعتاش وتكوّن ثروات على حسابه، وهو بلا شك أحد عناصر ضعف الاستقرار وبروز القلاقل الاجتماعية والاحتجاجات.

إن محاربة الفساد هي بالأساس مسؤولية الدولة ممثلة بالحكومة والبرلمان والهيئات التمثيلية الأخرى المناط بها الرقابة والمحاسبة المالية، وتحقيق مستوى عالٍ من النزاهة بما يعزز من السلم الاجتماعي وتقوية الروح الوطنية وتعزيز مستويات التنمية، وبناء إدارات حديثة تعتمد على الرقابة المستمرة وتحسين البيئة التشريعية كي يأخذ القضاء دوره في التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة.

فالقضاء هو عين الدولة وذراعها، وهو من يطبق العدالة لأنه الخط الأول والأخير في حماية الدولة والأفراد وصيانة مكتسبات الشعب.

إذا ما انتشر الفساد، فهو كارثة كبرى تصبح معها الدولة عاجزة ومشلولة، وهنا يذكر المؤرخ محمد الآلوسي أن والده كان مسؤولًا عن مكتب الوصي على عرش العراق الأمير عبد الإله خلال عقد الخمسينات من القرن المنصرم بأن أحد فلاحي القصر الملكي، وكان الوصي معجبًا بحسن ترتيبه للمزروعات والأشجار والورود، قدم له طلب اكتساب الجنسية العراقية، وذهب لمراجعة الإدارة المختصة فقال له الموظف المسؤول: "ادفع عشرة دنانير أمشي لك المعاملة!" ثم عاد الفلاح ليخبر الوصي، فسأله لماذا لا يكملون لك ملفك؟ قال له إنهم يطلبون مني رشوة لا أملكها. سأله كم طلبوا منك؟ قال له عشرة دنانير، وهنا مدّ الوصي يده في جيبه ليخرج له المبلغ المطلوب، وقال له: اذهب يا ولدي وأنجز معاملتك. فما كان من الفلاح إلا أن يستغرب الأمر ويخاطب الوصي: سيدي لقد شكوت لك الأمر لكي تحاسبهم وتضعهم في السجن، فردّ عليه الوصي: هل تريد مني أن أضع كل موظفي الحكومة في السجن؟ لقد اتسع الخرق على الراقع.

حسنًا ما فعله سمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عندما أراد إنهاء ظاهرة الفساد المالي، قرر البدء من المستويات العليا وليس من المستويات الدنيا، ونجح في ذلك بحسب التقارير الدولية، وهو صحيح كما يقول المثل الأوروبي إن تنظيف السلم يبدأ من الأعلى.

فإن هذه الظاهرة الفلكية تعصف الآن في العراق وتدمر كل المؤسسات وضياع مئات المليارات أمام عجز القانون الذي يحاسب مثلًا بالحبس ثلاث سنوات لقاصر لأنه سرق علبة مناديل ورقية، بينما يترك بطل سرقة القرن نور زهير طليقًا، والذي سرق مليارين ونصف المليار من الدولارات من عوائد الضرائب، مثلما يقر رئيس الوزراء أن الجرذان قد أتلفت ستة مليارات من خزائن البنك المركزي العراقي. فهل سمعتم مثل هذا قد حصل مع بنك مركزي آخر في المعمورة؟ إنه الفساد يلتهم الموارد عبر حيتان أو من خلال الجرذان وحتى الفئران.

الدولة القوية بقانونها وقضائها ومؤسساتها الفاعلة وتعميق ثقافة النزاهة وتحسين مسطرة مرتبات الموظفين هي وسائل تحد من هذه الظاهرة الخطيرة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.