: آخر تحديث
بعد هزائم المحور:

كيف سيعيد العراق تشكيل خارطة القوى في الانتخابات؟

5
5
4

تُجرى الانتخابات البرلمانية العراقية في 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2025 في لحظة مفصلية ليس فقط داخل العراق، بل أيضاً بالنسبة إلى الخريطة الإقليمية المجاورة. فبينما كان الانشغال طوال السنوات الماضية ينصبّ على ترتيب النفوذ الإيراني في بغداد ودمشق وبيروت، يبدو أن ما حصل من صدامات إقليمية – بدءاً من هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 على قطاع غزة، مروراً بحرب "12 يوماً" بين إيران وإسرائيل، ووصولاً إلى مقتل حسن نصرالله وضعف شبكة نفوذ حزب الله في لبنان – أعاد إنتاج موازين القوى ومنح العراق هامشاً لم يكن موجوداً سابقاً.

لكن هل يعني ذلك أن الانتخابات المقبلة ستكون بمثابة انقلاب سياسي كبير؟ أم أنها مجرد إعادة ترتيب داخل النظام نفسه؟

هزّة الاستراتيجية
لقد كانت ضربة 7 تشرين الأول (أكتوبر) بمثابة مدخل لعاصفة إقليمية أعادت اختبار النفوذ الإيراني التقليدي في المنطقة. ومع اشتعال المواجهة بين إيران وإسرائيل التي بلغت ذروتها في صراع دام "12 يوماً" هذا العام، بدا جليّاً أن طهران تكبّدت خسائر رمزية وعسكرية تضعف قدرتها على اللعب المفتوح كما في السابق.

في لبنان تحديداً، أدّى مقتل حسن نصرالله إلى فقدان قيادة رمزية لحزب الله، ما انعكس على قدرته التعبوية والنفوذ السياسي في الداخل اللبناني. وفي سوريا، سقوط نظام بشار الأسد وخروج الميليشيات الإيرانية من هناك قلّص ممر الطريق البري الذي كان يُستخدم لتموين النفوذ الإيراني، فأصبح “المشروع الإيراني” أقل قدرة على التدخّل المباشر والعلني.

يرى المحلّلون في معاهد الأبحاث أن هذه الهزة لا تعني نهاية النفوذ الإيراني، لكنها تشير إلى "تحول استراتيجي" نحو تكتيكات أبعد مدى من مجرد القوة الإقليمية التقليدية: شبكات، نفوذ مالي، تحالفات سياسية. وبعبارة أخرى: إيران لا تزال لاعباً، لكن ساحة تحركها أصبحت أصغر حجماً وأكبر تقيّداً بالواقع.

العراق: حيث التقاء المحاور
في العراق، هذا التراجع النسبي للمحور الإيراني يقابله تصاعد في خطاب "السيادة" والابتعاد عن الصراعات الإقليمية. يدخل محمد شياع السوداني الانتخابات بخلفية تنفيذية، مستخدماً هذا الخطاب ليقول: "العراق لمن يريد بناءه وليس لمن يريد استخدامه من الخارج". هذه الرسالة تلقى صدى في أوساط الطبقة الوسطى الحضرية التي أرهقها استمرار العراق في لعبة المحاور.

لكنّ الواقع الانتخابي العراقي ليس حراً تماماً. فبالرغم من الضغط المجتمعي للتغيير، فإن القانون الانتخابي الجديد (القوائم المغلقة) يعيد إنتاج ميزة للأحزاب التقليدية والمنظمات الكبيرة. بمعنى أن التغيير ممكن، لكن ليس جذرياً، إن لم تقترن المشاركة الشعبية العالية بتحالفات فعالة.

التحليل المشترك يشير إلى أن ما سيحدد الانتخابات ليس فقط من يفوز، بل كم سيشارك. فإذا كانت المشاركة منخفضة، فستُسجَّل مصلحة الأحزاب المنظمة القديمة، ومنها التحالفات الموالية لإيران. أما إذا كانت المشاركة مرتفعة، فماذا لو تسلح خطاب “حكومة إصلاح” بقيادة السوداني بحراك انتخابي كبير؟ عندها قد نرى مفاجأة.

سيناريوهات النتائج
سيناريو "الاستقرار النسبي" (الأرجح: 40 إلى 50 بالمئة)

يحتفظ تحالف إطار التنسيق بالموقع الأكبر في البرلمان، لكنه يخسر مقاعد هنا وهناك لصالح قوائم محلية "محايدة" أو إصلاحية – ما يسمى بالتراجع النسبي. النتيجة: استمرار نفوذ إيران عبر حلفائها، لكن بوزن أقل.

سيناريو "بروز الإصلاحيين / السوداني" (25 إلى 35 بالمئة)
ارتفاع المشاركة في المدن، وحصول تحالف السوداني على خدمة مميزة في البنى التحتية والاقتصاد، يجعلانه يشكل كتلة مركزية قادرة على اختيار رئيس الحكومة القادم.

سيناريو "انقسام وتوازن هش" (15 إلى 25 بالمئة)
لا أحد يحقق أغلبية واضحة، البرلمان يتوزع على عدة قوائم صغيرة، والمفاوضات تصبح أطول، مع حكومة ائتلافية ضعيفة التركيب.

سيناريو "انفجار الشباب والمستقلين" (5 إلى 10 بالمئة)
مشاركة ضخمة من الشباب والمجتمع المدني وتشكّل قوائم مستقلة ناجحة تغير خريطة القوى كلياً، لكنّ هذا يتطلب تجاوز عوائق القانون والتجربة التنظيمية.

ما الذي يجب متابعته؟
نسبة المشاركة النهائية في بغداد ومحافظات الجنوب: قراءة أولية لقوة "الدعوة للحياد".

أداء قوائم الإطار في محافظات النجف وكربلاء والبصرة: مؤشر لقدرة النفوذ الإيراني على الصمود.

هل تمكن تحالف السوداني من الحفاظ على حشد جماهيري محلي ومن شارع المدن؟

ما إذا كانت أي حادثة أمنية مفاجئة تستطيع أن تعيد ميليشيا “المقاومة” إلى واجهة صناديق الاقتراع.

ماذا يعني للعراق والإقليم؟
نتيجة الانتخابات لن تعيد رسم الخريطة كلياً، لكنها قد تشكل نقطة ارتكاز مهمة. إذ إن تراجع نفوذ إيران في العراق يعني أن بغداد قد تسترد هامش المبادرة أكثر، من ناحية القرارات الخارجية والتحالفات، وإذا ما ارتبط ذلك بحكومة تنفيذية فعالة، فقد يتحول البلد من ساحة صراع إلى لاعب مركزي في تسويات إقليمية – لكن هذا ليس مضموناً.

أمَّا بالنسبة إلى المنطقة، فإنَّ "المحور الإيراني" لم ينتهِ، لكنه بات في موقع دفاعي أطول، مما قد يفتح مجالاً لمحاور أخرى – خليجية، تركية، أميركية – للتوسع جزئياً في بغداد، لكنه أيضاً يشكل مخاطرة، لأن تحول العراق إلى “ساحة تفاوض” بين الخارجين ممكن أن يشكل تهديداً لاستقراره الداخلي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.