: آخر تحديث

مرحباً... أنا الإصبع الوطني

2
1
2

محمد ناصر العطوان

نعم، ذاك الذي كنتم ترفعونه في الانتخابات، وتلوّنونه بالحبر الأزرق، وتلتقطون له الصور كأنكم التقطتم المجد.

أنا الإصبع الذي علق بين الشهادة والفراغ.

حين رفعتني ذات صباح كنتَ تظنُ أنك ترفعُ الوطنَ...

لكننا عُدنا إلى البيت في المساء، وغسلتم الحبر، وغسلتم الحماس، وغسلتم حتى الفكرة.

تركتموني بلا حبر ولا معنى... مثل ذكرى حلوة لم يعُد أحد يريد استعادتها.

هل تعرف كم مرّة رفعتني في حياتك؟

رفعتني لتُقسم، لتُدلِي بصوتك، لتكتب، لتُشير، لتُهاجم، لتُبرّر، لتُسكت الآخرين... كنتَ ترفعني في كل شيء، إلّا حين احتجتَ أن ترفعني لتدلّ على نفسك.

لا تغضب، أنا لا ألومك.

أنتم جيل الأصابع المرهقة.

كلكم تكتبون، تلمسون، تلوّحون، تباركون، لكن لا أحد يلمس قلبه.

أنتم تعرفون الطريق إلى الشاشات، لكنكم لا تعرفون الطريق إلى الدفء... ولذلك تبدو كل إشاراتكم ناقصة، حتى لو كانت في الاتجاه الصحيح.

أتذكر أول مرة رفعْتني فيها؟

كنتَ في المدرسة، تسأل المعلم متى تنتهي الحصة... رفعتني بخجل، فابتسم المعلم وقال: «اجلس، لم أُكمل الشرح.»... ومن يومها تعلّمت أن رفع الإصبع لا يُنهي شيئاً، بل يُطيله.

كنتُ أراقبك بعدها وأنت ترفعني في الاجتماعات، في الخطب، في الصور الرسمية، في المهرجانات التي تضع على لافتتها كلمة «كرامة وطن»... كنتُ أرفع نفسي عالياً وأنا أقول:

«يا جماعة، لستُ للزينة، أنا للصدق.»... لكن لا أحد يسمع الأصابع، لأنهم مشغولون بتصفيقها.

هل تعرف ما يؤلمني حقاً؟

أنني حين كنتُ جزءاً من يدك، كنتُ حيّاً.

أما الآن، فقد صرت رمزاً، والرموز لا تشعر... الرموز تُستعار، تُستخدم، ثم تُنسى في درج الأرشيف مع الشهادات القديمة وصور الابتسامات الرسمية.

أتمنى لو تُعيد إليّ مهمتي الأصلية:

أن أُشير إلى الأشياء البسيطة التي تُبهجك... إلى وجه أمك وهي تضحك، إلى كوب الشاي الذي يفور، إلى أول سطر في رواية، إلى البحر حين يكون صادقاً... ارفعني لذلك فقط، وسترى أنني سألمع من جديد... وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر... وكل ما لا يُراد به وجه الله يضمحل.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد