: آخر تحديث

هم يختبرون الصبر فينا.. ونحن نختبر الحب فيهم

8
7
6

في العلاقات البشرية، يتعامل الطرفان - مهما كانت طبيعة ارتباطهما - على قاعدة ثابتة: من يصبر، ومن يحب. كلاهما يرى في الآخر نموذجًا رائعًا في العطاء. إنهما يدركان أن هذه القاعدة هي ما ساهمت في وجود علاقة متوازنة، وخلقت الألفة التي يبحثان عنها. لكن مع الوقت، يتيقنان أن تلك الروابط وحدها لا تكفي، وأن البقاء في علاقة لا يصح وصفها بالناجحة ما دام التوازن غائبًا. فلا سعادة في صبر دائم، ولا عدل في عطاء بلا مردود. فليس بعد الصبر إلا الفرج، وليس بعد العطاء إلا الأخذ. هكذا هي الحياة حين تُجبرك على إنصاف مشاعرك، وتُعيدك إلى مبدأ بسيط: لا تستنزف نفسك في علاقة تنسى أن تُنصفك.

لهذا، كثيرون يستغربون كيف انتهت علاقات كانت تبدو مثالية، طويلة، هادئة، بلا مقدمات. كيف انطفأت فجأة دون حتى تلك القشة التي يُقال إنها قصمت ظهر البعير؟ السبب أنهم لم يروا القصة من داخلها، لم يفهموا أن في كل علاقة، حين يغيب التوازن، يبدأ النزف ببطء حتى تختفي كل مشاعر النجاة.

وهنا علينا أن نسأل أنفسنا: كيف نصون علاقاتنا؟ كيف نحفظ أرواحنا من الإنهاك؟ كيف نحمي أنفسنا من الخوض في مضمار الفشل، والابتعاد عن أناس لم نكن نتخيل يومًا أننا سنتخلى عنهم بكامل إرادتنا؟

ولعل أول الطرق التي تجعلنا في مأمن من هذه النهايات، أن نتكلم، لا أن ننتظر من يفهم صمتنا. أن نكون واضحين بما نشعر، وبما نحتاج، لأن الوجع الصامت لا يسمعه أحد.

وأن نُعطي، لكن بوعي. فالعطاء الجميل لا يعني أن نحرق أنفسنا لننير حياة الآخرين. علينا أن نحمي حدودنا.

فالحب لا يعني أن نسمح للآخر أن يعبُرنا متى شاء، بل أن نحافظ على أنفسنا ونحن نحب. أن نعترف بالتعب، كأن نقول: «أنا تعبت» - ليس ضعفًا -، بل قوة من يعرف متى يضع حدًا ليُعيد اتزانه.

وأن نُراجع أنفسنا باستمرار: هل أنا مرتاح؟ هل ما زلت أجد نفسي في هذه العلاقة؟

تلك الأسئلة لا تُفسد الحب، بل تحميه من التحوّل إلى عادة خالية من الروح، تُحصنه من الانهيار، وتُعيد بناء جسوره المتهالكة. فالخط المستقيم هو أسهل الطرق للوصول.

ولا عيب في أن نطلب المساعدة حين نحتاج. لا أحد محصّن من الضعف، ولا بأس أن نلجأ لمن يفهم أوجاع العلاقات ويساعدنا على الرؤية. فلا خاب من استشار، ولا خاب من حاول بكل ما يملك أن يعيد الروح لحياة اقتربت من الموت المحقّق. فالعلاقات لا تنتهي فجأة كما نظن، بل تنتهي حين نتوقف عن النظر إلى داخلها، حين نصبح غرباء تحت سقف واحد، حين نضحك وننسى أن نُصغي، ونمنح دون أن نسأل: من يمنحني أنا؟

ولعل أجمل ما يمكنك أن تفعله لتنجو، أن تُفعل قدرتك على التغيير، وتدرك أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

أن تتوقف قليلًا.. لا لتتأمل فقط، بل لتفعل.

افتح حوارًا كنت تؤجّله. اسأل السؤال الذي تهرب منه. راجع مشاعرك بصدق.

لا تكتفِ بالشعور، افهمه، سمّه، واجهه.

إن كنت تُحب، فعبّر.

إن كنت تتألم، فلا تُخفي وجعك خلف ابتسامة باهتة.

وإن كنت في علاقة تُتعبك، فاجلس مع نفسك واسألها: ما الذي أحتاجه لأكمل؟ ولأكون بخير؟

افعل شيئًا، صغيرًا كان أو كبيرًا، يضمن أنك تحيا علاقة تُشبهك، لا تُنهكك، لا تستنزفك، ولا تُطفئ نورك بصمت.

كلاكما يستحق أن يحافظ على حياته ويحصد ثمار حبه وعطائه، وتلك الثمار، تُعيد توازنك، لا تسرقك من نفسك وتتركك تعض أصابع الندم بعد فوات الأوان.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد