: آخر تحديث

عقبات الذكاء الاصطناعي

2
1
1

أحمد مصطفى

حسب تقديرات الاقتصاديين والمحللين في الأسواق ومراكز الأبحاث الاقتصادية وشركات الاستشارات كان المفترض أن يكون العام الماضي 2024 «عام التبنّي والانتشار» للذكاء الاصطناعي في الأعمال والشركات. لكن ذلك لم يحدث، ولم يؤدِّ إلى زيادة كبيرة في عدد الشركات والأعمال التي تتوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي هذا العام 2025 كما كان مأمولاً.

ربما السبب المباشر الذي قد يتبادر إلى الذهن هو أن ذلك التطور التكنولوجي ما زال في بدايته وبالتالي حتى لو تباطأ انتشاره وواجه عقبات في تبنّي الأعمال والشركات له، فإن ذلك سيحلّ بمرور الوقت بمزيد من التطوير لبرامجه. لكنّ ذلك أمر مردود عليه ببساطة، لأن شركات الذكاء الاصطناعي «حرقت» على مدى سنوات مئات مليارات الدولارات وكان من الطبيعي أن تبدأ في توفير مردود لمموليها قبل نحو عامين.

صحيح أن كل الشركات الناشئة «تحرق» الأموال بكثافة، بمعنى أنها تنفق بلا عائد من تمويل المساهمين المغامرين وصناديق الاستثمار التي تضخ أموالها فيما هو عالي المخاطرة على أمل الربح الهائل السريع، إلا أن شركات الذكاء الاصطناعي تختلف. فالشركات الناشئة في قطاع التكنولوجيا التي لا تحقق لمموّليها ومستثمريها ما يأملونه، تباع أو تفلس وتنتهي. إنما شركات الذكاء الاصطناعي ما زالت حتى الآن تجمع المليارات من السوق عبر طروحات السهم أو من المستثمرين الأفراد والمؤسساتيين.

تطورت برامج الذكاء الاصطناعي بما يكفي لأن تصبح ذات جدوى اقتصادية. ليس المقصود تطبيقات مثل «تشات جي بي تي» أو غيره، فهذه رغم انتشارها بين الجمهور إلا أنها غير ذات قيمة استثمارية للمساهمين لأن عائداتها – حتى من الإعلانات والتسويق – لا تساوي شيئاً مما تنفقه شركات الذكاء الاصطناعي.

إنما الجدوى الاقتصادية والمالية لمساهمي شركات الذكاء الاصطناعي الكبرى هي تبنّي الشركات والأعمال لبرامج الذكاء الاصطناعي في نشاطها ما يعني صفقات مربحة للشركات المطورة للبرامج. فما هي العقبات أمام انتشار استخدام الذكاء الاصطناعي الذي كان يفترض أن يصبح الآن مكوّناً مهماً في أقل قليلاً من نصف الشركات الكبرى في العالم؟

حسب أحدث استطلاع لمكتب الإحصاء الأمريكي فإن نسبة لا تتجاوز عشرة في المئة فقط من الشركات الأمريكية هي التي تستخدم الذكاء الاصطناعي بقدر معقول. ذلك على الرغم من كل ما نشاهده ونسمعه ونقرأه من حماس أصحاب الشركات رؤسائها عن أهمية الذكاء الاصطناعي في تحسين أداء أعمالهم.

في تحليل لها هذا الأسبوع ترجع مجلة «الايكونوميست» العقبات التي تحول دون انتشار الذكاء الاصطناعي في الأعمال بالشكل الذي يوفر صفقات لشركات التكنولوجيا المطورة لبرامجه إلى البيروقراطية. ليست فقط البيروقراطية الحكومية التي تتبدى في اللوائح والقواعد المنظمة لاستخدامات الذكاء الاصطناعي وإنما البيروقراطية في إدارة الشركات الكبرى بالقطاع الخاص كذلك.

مع أن ذلك التفسير الذي يطرحه تحليل المجلة للعقبات التي تواجه استخدام الذكاء الاصطناعي في الأعمال يحمل قدراً من المصداقية، إلا أن التحليل تجاهل عقبات أخرى قد تكون أكثر أهمية.

صحيح أن البشر بطبعهم يترددون في قبول كل ما هو جديد، وحدث ذلك مع تطورات تكنولوجية أخرى من قبل تأخرت حتى أصبحت شائعة الاستخدام. لكن عامل المقاومة البشرية، سواء بالبيروقراطية أو التردد في قبول الجديد المبتكر، ليس كافياً لتفسير التباطؤ الشديد في تبني الذكاء الاصطناعي.

حتى ما يمكن وصفه ببيروقراطية الشركات ومقاومة العاملين لما هو جديد لأن الإنسان يخشى ما لايعرفه قد يكون له ما يبرره خلال استخدام برامج الذكاء الاصطناعي ذاتها. فليست كل العقبات هي المخاوف من أن يؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي إلى تقليل العمالة البشرية وتسريح الموظفين، إنما هناك إحباطات فعلية من نتائج استخدام تلك البرامج.

ففي العام الماضي فسخت شركة أدوية ومستحضرات طبية تعاقدها مع شركة مايكروسوفت التي كانت توفر لها بموجبه برامج الذكاء الاصطناعي لاستخدامها في أعمال الشركة. وقال رئيس الشركة إنه بعد أشهر من استخدام البرامج لم تكن تقدم «اكثر مما يمكن أن يقوم به تلميذ في مدرسة».

قد تكون الأخطاء والإخفاقات واردة في استخدام كل ابتكار تكنولوجي جديد، وهي في الواقع الدافع نحو التطوير والتحديث للوصول إلى نماذج أكثر تقدماً ورسوخاً. إلا أن هناك مشكلة أخرى في تأخر ذلك التطوير والتحديث بالشكل الذي يجعل برامج الذكاء الاصطناعي تشيع في الأعمال بما يجعل الاستثمارات المليارية فيها ذات جدوى اقتصادية. تلك المشكلة تتعلق بما يمكن تسميته «التوافق التشغيلي»، أي أن أنظمة الأعمال والشركات لا تتوافق تماماً مع تطبيقات برامج الذكاء الاصطناعي التي تحتاج إلى مدخلات من «البيانات الكبرى» ونماذج من القواعد والضوابط المسبقة كي تنتج ما هو مطلوب منها.

هذا جانب من الجوانب التي يجري تحديثها وتطويرها من قبل شركات الذكاء الاصطناعي. لكن في النهاية هناك خلاصة أغفلها تحليل «الإيكونوميست» ويتغاضى عنها أغلب الاقتصاديين والمحللين والمعلقين في هذا المجال، تلك هي أن برامج الذكاء الاصطناعي، مهما كان تطورها وتقدمها وتعقيدها، في حاجة دائماً إلى بشر مهنيين ومؤهلين لتحقيق الاستفادة منها. وإلى أن يحدث ذلك تظل نسبة تبني الذكاء الاصطناعي في العمال والشركات متدنية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد