البيان الصادر يوم الاثنين الماضي عن خمس وعشرين دولة، والمُطالب بوقف فوري للحرب في قطاع غزة، تأخر كثيراً، إنما من المهم أنه صدر، ومهمٌ جداً، في الآن ذاته، ملاحظة كيف سيكون تعامل حكومات الدول التي يعبّر البيان عنها، مع صلف الرد الإسرائيلي عليها. الأرجح أن كلمة واحدة تقول إنه ردٌ وقح، يمكنها أن توجز وصف ذلك الصلف. على رأس الدول التي أطلقت النداء، تبرز أسماء أربع دول هي: بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، كندا، وهي أعضاء في حلف «الناتو»، يُضاف إليها أستراليا، التي تُعد حليفاً رئيسياً للحلف. لعل من الجائز هنا طرح سؤال لم يعد ممكناً تجاهله، بل ربما يمكن القول إن طرحه تأخر هو أيضاً، وهو التالي: أما حان وقت ردع عنجهية القوة الإسرائيلية بقوة دولية أقوى منها، تحديداً عبر تدخل عسكري لحلف «الناتو»؟
قبل التوسع في الإجابة عن السؤال، يُستحسن الرجوع أولاً إلى البيان الدولي، والرد الإسرائيلي عليه. يقول المطالبون بالوقف الفوري للحرب في بيانهم إنه «من المروّع أن يكون أكثر من ثمانمائة فلسطيني قد قتلوا وهم يحاولون الحصول على مساعدة». يرد أورين مارمورشتاين، المتحدث باسم حكومة بنيامين نتنياهو، زاعماً، بلا خجل، أن «البيان منفصل عن الواقع، والحكومة الإسرائيلية ترفضه». هل ثمة مستوى للوقاحة أعلى من هذا؟ ثم، أين هو «الانفصال عن الواقع»، في نداء يدعو «الأطراف والمجتمع الدولي، إلى التوحد في جهد مشترك، لإنهاء هذا النزاع المروع، عبر وقف فوري، وغير مشروط، ودائم، لإطلاق النار»؟ بالطبع، حسب مفاهيم جنرالات حرب الإبادة الجارية ضد الغزيين، طوال العشرين شهراً الماضية، سوف تبدو أي مطالبة دولية كهذه، منفصلة عن واقع أهدافهم، وفي مقدمها السيطرة التامة على قطاع غزة ووضع الخطط اللازمة لضمان تنفيذها.
عودة إلى السؤال المتعلق بتدخل حلف «الناتو» ضد إسرائيل. واضح أنه تساؤل يُطْرح من قبيل الاستفزاز، لأنه يتجاوز كل الأطر التي يقوم عليها واقع عالمي تُشكل إسرائيل أحد الأضلاع المهمة في تركيبته، فهي، كما أستراليا، من حلفاء حلف «الناتو» الأساسيين، ولو أنهم خارجه. ثم إن الحلف، الذي أجاز مجلس الأمن بموجب القرار الرقم 1973 لقواته أن تتدخل في ليبيا يوم التاسع عشر من مارس (آذار) عام 2011، وأقدم قبل ذلك على ضرب صربيا، عام 1999، عقاباً لها على فظاعاتها ضد الألبانيين العُزَّل في حرب كوسوفو، لن يُقدم على الفعل ذاته لحماية عُزل قطاع غزة المدنيين، ورفع جبروت إسرائيل عنهم، أطفالاً ونساءً وشيوخاً مُسنين. مع ذلك، يجوز الافتراض أنه باستثناء أميركا، أياً كان سيد البيت الأبيض، فإن باقي دول الحلف تكاد تصل إلى نقطة الاقتناع التام بأن ممارسات إسرائيل في قطاع غزة تتجاوز كل الحدود والقوانين المُتعارف عليها دولياً، وبالتالي لعلها مجتمعةً، أو البعض منها، تقترب من تطبيق إجراءات عقابية محددة ضد إسرائيل، في حال استمر رفض موقف دول البيان، الذي يشكل فعلاً نقطة انطلاق دولية مهمة، يمكن البناء عليها في التعامل الدولي الجاد إزاء وقف همجية إسرائيلية فاقت كل التصورات.