: آخر تحديث

هل نحن مستعدون؟

4
4
4

في خضمّ التحوّلات السريعة التي يشهدها العالم، يبرز الذكاء الاصطناعي بوصفه القوة الكبرى التي تعيد تشكيل ملامح المستقبل؛ ولم يعد الأمر مجرّد خيال علمي أو مشروع تقني طموح، بل أصبح واقعاً يطال تفاصيل حياتنا اليومية، من التعليم والعمل، إلى الطبّ والترفيه.. ومع دخول تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى كل بيت ومكتب ومدرسة، يبرز سؤال جوهري: هل جيل اليوم والأجيال القادمة مستعدون فعلاً لعصر ما بعد الذكاء الاصطناعي؟جيل ما بعد الذكاء الاصطناعي، جيل يعيش في بيئة يتفاعل فيها مع «الروبوتات»، ويعتمد فيها على الخوارزميات في اتخاذ قراراته، ويتعلّم من منصات تعليمية ذكية، ويتعامل مع أنظمة تفكّر وتتطور ذاتياً. إنه جيل نشأ في عالم تعالَج فيه البيانات الضخمة خلال ثوانٍ، وتنفّذ المهام المعقدة بضغطة زر، وتتشكل فيه فرص ووظائف جديدة بقدر ما تختفي أخرى.لكن الاستعداد لهذا التحّول لا يقتصر على استخدام التطبيقات الذكية أو امتلاك أدوات تقنية، بل يتطلب بناء مهارات عقلية وسلوكية جديدة بالكامل؛ وفي مقدمتها القدرة على التفكير النقدي، والتعلّم المستمر، وحلّ المشكلات المعقدة، والتكيّف مع المتغيرات التقنية المتسارعة. كما تبرز أهمية المهارات الإنسانية والعاطفية التي لا يستطيع الذكاء الاصطناعي محاكاتها، مثل التعاطف، والقيادة، والذكاء الاجتماعي، والقدرة على التعاون.وتواجه المؤسسات التعليمية اليوم تحدياً كبيراً: كيف نعدّ الأجيال القادمة لعالم يتغير أسرع من قدرة المناهج على التحديث؟ إن الاعتماد على الحفظ والتلقين لم يعد مجدياً، بل المطلوب تعليم الأطفال كيفية التعلم، وتحفيز الإبداع، وتشجيع التجريب والفشل، والتفكير خارج الصندوق.ومن ناحية أخرى، تظهر مخاطر اجتماعية وأخلاقية لا يمكن تجاهلها؛ فمع تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، تبرز قضايا تتعلق بالخصوصية، وتضليل الرأي العام، والتمييز الخوارزمي، والسيطرة على مصادر المعلومات، وهل نعلّم أطفالنا كيف يميزون بين الحقيقة والمحتوى الاصطناعي؟ هل نعدّهم ليكونوا مواطنين رقميين مسؤولين؟كما أن الفجوة الرقمية لا تزال تهدّد بتكريس التفاوت بين المجتمعات، فبينما ينعم بعض الشباب ببيئة غنية بالتقنيات، لا تزال فئات واسعة في بعض الدول النامية تفتقر إلى أبسط أدوات الاتصال الرقمي، ما يجعلها عرضة للإقصاء في اقتصاد المستقبل.إن التحدي لا يكمن في محاربة الذكاء الاصطناعي أو مقاومة التكنولوجيا وحسب، بل في احتضانها بوعي، وتوجيهها لخدمة الإنسان لا استبداله؛ فالمطلوب مزيج ذكي من التعليم، والسياسات، والتوعية المجتمعية، لضمان أن يكون الجيل القادم شريكاً فاعلاً لا ضحية صامتة لهذا التحول.جيل ما بعد الذكاء الاصطناعي لا يحتاج إلى أدوات رقمية فقط، بل إلى وعي نقدي، وأخلاق رقمية، ومهارات إنسانية لا يمكن برمجتها، فالاستعداد لهذا المستقبل يبدأ اليوم، عبر تنمية العقول لا ملء الأجهزة فقط.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد