تعاني دول كثيرة من سوء أو صعوبة في بيئة الأعمال وممارساتها، في حين تحظى دول أخرى ببيئة أعمال مميزة وجاذبة، وتختلف مناهج البحث في تحديد البيئة الأنسب، وعناصرها، ومكوناتها، وتسلسلها، ومن خلال لقائي بعدد من رجال الأعمال من جنسيات مختلفة وفي قطاعات متنوعة، يمكن تحديد ثلاثة عناصر أساسية تشكّل في ركيزة التنظيم، وهي: النظام، والرقابة، والاستدامة.
تتسابق المؤسسات الحكومية للحصول على تقييم متقدم في المنظمات أو المؤسسات الدولية ذات الصلة بالشأن الاقتصادي فيما يخص سهولة ممارسة الأعمال. وهذا أمر لا بأس به، فهو أحد المؤشرات التي – وإن قلّت موثوقيتها أحياناً – تظل مؤشراً مهماً يجدر الاهتمام به، لكن الأهم هو موضوع التنظيم وما يشتمل عليه من عناصر. إن عنصر النظام ولوائحه يُعَدّ مهماً من حيث شموليته ودراسته باستفاضة، واستطلاع الرأي بشأنه، وأميل كثيراً لما يسُمى التجربة قبل التوسع (Pilot)، والتي للأسف لا نراها بشكل مناسب خصوصاً في مثل المملكة والتي وهي شبه القارة بتنوع مكوناتها واتساعها، كذلك يهم عند التطبيق مراعاة الوعي المجتمعي بالنظام، وهنا أقصد مجتمع الأعمال الذي أفترض أنه قد تم استطلاع رأيه مسبقاً، ومراعاة التوقيت الزمني للتطبيق، فقد يكون مناسباً عند الإعلان عنه، لكنه عند بدء سريانه قد لا يكون مناسباً. مثال ذلك: بعض الأنظمة قد يكون تنفيذها خلال جائحة كورونا بمثابة مقبرة للنظام أو نار متقدة على مجتمع الأعمال.
وعند الحديث عن عنصر الرقابة بعد تطبيق النظام، فنحن نتحدث عن قوة النظام وفعاليته؛ فبلا رقابة، يكون النظام مجرد حبر على ورق. ولكن عند ممارسة الرقابة، يجب على المؤسسات الحكومية ذات الصلة أن تراعي عدة أمور، منها: أن يكون هناك جهاز رقابي مؤهل من حيث الكفاءات والتجهيزات. وللأسف، تفتقر بعض الجهات إلى وجود خطة رقابية، وما تشتمل من المعايير والإجراءات الرقابية، حتى لا يكون هناك اجتهاد فردي ممن يعمل في الرقابة، وبالتالي يحدث التلاعب، ولتقليل النزاعات وتخفيف الضرر على مجتمع الأعمال قدر الإمكان.
أما العنصر الأخير، بل والأهم في رأيي، فهو الاستدامة؛ فقد نرى نظاماً ورقابة لا مثيل لهما، بل ويشيد بهما الكثيرون في الداخل والخارج، ثم ما يلبث الأمر أن يتراجع، ولعلي هنا أورد مثالين؛ فقد شهدنا فيهما نظاماً ورقابة متميزين، ما لبثا أن تراجعا: أولهما حماية المستهلك، التي هي في الوقت ذاته حماية للتاجر العادل النزيه، وثانيهما ما قامت به الهيئة العامة للنقل بشأن تنظيم الزيّ لسائقي الأجرة وكذلك النقل التشاركي؛ فقد صدر النظام ولوائحه، وتبعتها رقابة لم تلبث طويلاً.
وفي الختام، إن التحدي الذي يواجه كثيراً من المسؤولين هو الاستدامة في تطبيق النظام، فالاستدامة هي النفس الطويل وهي حقيقة الأبعد عن الأضواء، رأينا أمثلة لنظام أخذ من الضجة ما لجت به الأرض ولكن لم تكن هناك رقابة في التطبيق، وكم من رقابة وبسبب هشاشة النظام أو لوائحه مع غياب خطة الرقابة خنقت وأحياناً أفنت منشآت، وأما الاستدامة فللأسف اغلب الأنظمة تعاني منها، أملي كبير يأن نركز على استدامة النظام وتطبيقه وتحسين الجهود الرقابية، مع مراعاة كافة الأطراف ذات العلاقة.