: آخر تحديث

اللغة ليست للتواصل فقط

6
4
5

غالباً ما ننظر إلى اللغة على أنها مجرد أداة لنقل المعاني والتواصل بين البشر، لكنها في حقيقتها أكثر من ذلك بكثير. اللغة هي وعاء فكري، ومرآة للثقافات حول العالم، وهوية للحضارات، فهي لا تخبر فقط بما نقوله، بل بكيفية تفكيرنا ورؤيتنا للعالم من حولنا.وفقاً لدراسة تم نشرها عام 2013 في المجلة الاقتصادية الأمريكية، أجرى الباحث كيث تشين، من جامعة ييل، بحثاً موسعاً حول تأثير اللغة على السلوك الاقتصادي للناس. وقد أظهرت نتائج الدراسة أن المتحدثين بلغات تتميز بوضوح بين الزمن الحاضر والمستقبل، مثل اللغة الإنجليزية، يميلون إلى التخطيط بشكل أقل للمستقبل ويظهرون سلوكاً أقل في الادخار، مقارنة بالمتحدثين بلغات لا تفصل بين الأزمنة بهذه الصيغة، مثل اللغة الصينية أو الألمانية. يشير تشين إلى أن الطريقة التي تبنى بها اللغة قد تلعب دوراً غير متوقع في تشكيل قرارات الفرد اليومية، مثل السلوكات الاقتصادية اليومية، مما يعكس أن اللغة ليست فقط وسيلة لوصف العالم، بل هي إطار يعيد تشكيل كيفية إدراكنا له والتصرف وفق له.اللغة أيضاً ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالانتماء، وهي من أول الأشياء التي تحدد هوية الفرد في أي مجتمع. وقد لاحظ كثير من المغتربين أن فقدان استخدام لغتهم الأم لمدة طويلة يترك أثراً داخلياً يشعرهم بأنهم فقدوا شيئاً من أنفسهم، فالكلمات ليست فقط وسيلة، بل تحمل معها ذاكرة الطفولة، ونكهة الأمكنة، وروائح البيوت الأولى.وفي المقابل، فإن تعلم لغة جديدة لا يعني مجرد إضافة مفردات إلى قاموسنا الشخصي، بل هو دخول إلى ثقافة جديدة ومنظور مختلف للعالم. كل لغة تحمل في طياتها طرقاً فريدة للتعبير، ومفاهيم قد لا تكون قابلة للترجمة الكاملة، ما يعني أن كل لغة تفتح أمامنا نافذة خاصة لفهم الإنسان والمجتمع.من المهم أن نتعامل مع اللغة بوعي، ليس فقط فيما نقوله، بل في كيف نقوله، فاختيار الكلمات، ونبرة الصوت، وبناء الجمل، تعكس شيئاً من داخلنا، كما تؤثر في الذي يستمع إلينا. في زمن يستهلك فيه الكلام بسرعة، ويكتب كل شيء على عجل، نحتاج إلى وقفة، لنتأمل فيها ما تحمله اللغة من قيمة.اللغة ليست مجرد أداة، بل هي طاقة حية، إذا أحسن الإنسان استخدامها منحته قدرة هائلة على التعبير والتأثير والتواصل الحقيقي. وحين ندرك هذه القوة، نصبح أكثر وعياً بكيفية الحديث مع الآخرين، ومع أنفسنا. www.shaimaalmarzooqi.com


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد