: آخر تحديث

هل سيأتي الرخاء مع السلام؟

4
3
4

لخشية الولايات المتحدة من انتشار الشيوعية في جنوب شرق آسيا، قامت بإرسال مستشارين عسكريين لدعم الجزء الجنوبي من فيتنام، التي تعتبر حليفة للغرب، ضد الجزء الشمالي الشيوعي، الأقرب لنظامَي الصين وروسيا، وكان ذلك في عهد جون كنيدي.

انقلبت الأوضاع بعد حادثة «خليج تونكين» في 1964، عندما وقع هجوم، يقال إنه كان مدبراً، على السفن الأمريكية، أدى إلى منح الرئيس جونسون، الذي خلف كنيدي في الحكم بعد اغتيال الأخير، سلطات حربية واسعة لمواجة الفيتناميين الشماليين. ومع عام 1969 وصل عدد القوات الأمريكية إلى نصف مليون، ومع هذا لم تجد، في النهاية، خياراً غير الانسحاب، بعد تزايد خسائرها المادية والبشرية، واشتداد المعارضة الداخلية والخارجية للحرب، مع استمرار الصراع، الذي بدا أن لا نهاية له، فتقرر الانسحاب وتسليم مسؤولية الدفاع لحكومة فيتنام الجنوبية، وبدأت مفاوضات السلام بين فيتنام الشمالية والأمريكيين في باريس، واستمرت بضع سنوات، لينتهي الأمر بانسحاب مذل لم تعرفه أمريكا من قبل، وتكرر ما يماثله بعدها بنصف قرن في أفغانستان، وسقطت العاصمة سايغون، بيد قوات فيتنام الشمالية الشيوعية.

بلغت الخسائر الأمريكية، في الأرواح والأموال حدوداً رهيبة، فقد قتل أكثر من 58 ألف جندي أمريكي خلال السنوات الأربع الأخيرة من الحرب، وحدث انقسام وطني بالمجتمع الأمريكي، بعد وصول أفواج الجنود العائدين من الحرب، والكثير منهم مصاب بأمراض نفسية لا تعد، مع اشتداد أوار المعارضة العامة للحرب، وخلق اضطرابات اجتماعية عميقة، وتسبُّب خسارتها في إنهاء حياة جونسون السياسية.

***

سبق أن واجه الفيتناميون فرنسا، ثم اليابان، ثم فرنسا مرة أخرى، ثم الولايات المتحدة، وأخيراً الصين، ومع هذا صمدت، بعد أن لقي خمسة ملايين من مواطنيها حتفهم. وخلال الحرب الفيتنامية الأخيرة، التي انتهت عام 1975، خسرت الولايات المتحدة أكثر من 58 ألف جندي، وجُرح أكثر من 150 ألفاً آخرين، وعلى الجانب الفيتنامي قُتل مليونان من المدنيين ومليون عسكري. هذا بالإضافة إلى التأثيرات المتعلقة بالاستخدام الواسع للألغام الأرضية والمواد المشعة والكيميائية، التي بقيت آثارها لسنوات. وطبقاً لدراسة قامت بها جامعة هارفارد، نتج عن الحرب 10 ملايين لاجئ فيتنامي، ومليون أرملة، و880 ألف طفل يتيم، و362 ألف طفل بلا آباء، وثلاثة ملايين عاطل، وبلغت نسبة التضخم عند انتهاء المعارك 900%، ثم قررت واشنطن بعد ذلك مقاطعة فيتنام، وعدم التعامل مع نظامها الشيوعي، إلا أن الدولتين بدأتا خطوات تطبيع بطيئة بينهما منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي.

تقارب مساحة أمريكا 10 ملايين كيلومتر مربع، بينما تبلغ مساحة فيتنام 331 ألف كم2، وكانت نصف ذلك عندما دخلت في حرب مع أمريكا، الدولة الأقوى والأكثر ثراء في التاريخ، وهي الدولة الأكثر فقراً.

قصة كفاح فيتنام، وجنوب أفريقيا، والجزائر، وحتى الذي وقع في أفغانستان وغيرها، أمثلة تحتذى، والمقاومة الفلسطينية، بمختلف أشكالها، بحاجة إلى مثل دروسها. فالاستسلام التام لإسرائيل، كما يطالب به بعض العملاء، أمر لا يمكن تصوّر نتائجه الكارثية، فقد طبّعت واستسلمت دول عربية عدة لها، أملاً في تحقيق سلام وتعاون ورخاء يأتي مع التعاون الكبير معها في مختلف المجالات، ولكن لا شيء أتى منها على مدى عقدين من الزمن!


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد