سلطان ابراهيم الخلف
بعد هزيمة الدولة العثمانية وألمانيا في الحرب العالمية الأولى، نفّذ الإنكليز والفرنسيون اتفاقيتهم «سايكس بيكو 1916» في تقسيم وتقاسم المنطقة العربية الواقعة في الهلال الخصيب ومنها فلسطين، التي سلّمتها بريطانيا إلى عصابات الشتات الصهيوني وأقامت على أرضها، كيانها غير الشرعي بالقوة.
ومنذ ذلك الحين لم تهنأ الدول العربية بحالة من الهدوء والاستقرار. فقد كان الكيان الصهيوني، شوكة في جنب العرب، يحظى بكل الدعم المادي والعسكري والسياسي والإعلامي من أميركا والغرب، في كل حروبه التوسعية في المنطقة العربية.
ما نشاهده اليوم على الساحة السورية هو أحد تجليّات تلك الاتفاقية التقسيميّة، داخل الأقطار العربية.
بعد انهيار نظام السفاح الأسدي في سوريا، وعودة سوريا إلى أبنائها السوريين، بادر الكيان الصهيوني بالعدوان على المواقع العسكرية السورية، التي تركها النظام البائد، وتمدّد في بعض الأراضي السورية القريبة من الجولان المحتل منتهكاً اتفاقية وقف إطلاق النار 1974 ومتجاوزاً خط فض الاشتباك.
لم تقم الولايات المتحدة بأي دور لكبح جماح العدوان الصهيوني واعتبرت أن ذلك يدخل في سياسة الدفاع عن النفس.
وكانت أزمة المواجهة بين عشائر البدو في السويداء والميليشيات الدرزية الخاضعة للشيخ حكمت الهجري، فرصة مؤاتية لتدخّل الكيان الصهيوني في الشأن السوري الداخلي بحجة حماية الأقلية الدرزيّة، وقام بقصف قوات النظام السوري التي تدّخّلت لفض الاشتباك وإعادة الأمن للمحافظة...
وكأن محافظة السويداء تابعة للكيان الصهيوني، وخارج خريطة الدولة السورية. لكن الأزمة تعقدت كثيراً بتدخّل الصهاينة، حيث وحدّت العشائر البدوية في بادية الشام، التي أعلنت عن استعدادها في مواجهة المجموعات الدرزيّة، ما يجعل من الصعب على الكيان الصهيوني مواجهة زحف عشرات الآلاف من أفراد العشائر المسلّحين، وهو ما يدل على تهوّر الكيان الصهيوني، واعتقاده الخاطئ بمقدرته العسكرية في السيطرة على المحيط العربي الواسع، وهو غارق في مستنقع غزة ويعاني جيشه البري من إنهاك شديد.
رغم أن الولايات المتحدة ألغت عقوباتها الاقتصادية عن سوريا، لإعطائها فرصة إعادة الإعمار، بعد الدمار الواسع الذي خلّفه النظام الأقلوي الأسدي البائد، إلاّ أنها لا تريد الاستقرار لسوريا، وهي تغضّ الطرف عن اعتداءات الكيان الصهيوني، وتدخلّه في أزمة السويداء، وكأن الولايات المتحدة تعتمد الكيان الصهيوني وصياً على الأقليات في البلاد العربية، وهي محاولة تهدف إلى تكريس التقسيم، من خلال منح الأقليات كيانات مستقلة داخل البلاد العربية، والتدخّل إذا لزم الأمر تحت ذريعة حمايتها.
دعم الأميركان للأقلية الكردية في شمال سوريا، التي تُهدد وحدة سوريا وأمن تركيا، لا يختلف عن دعم الصهاينة للدروز في الجنوب، الذين يهددون وحدة الدولة السورية.
لكن يبقى الموقف التركي المناهض للأكراد المتمردين شمال سوريا في صالح وحدة الأراضي السورية، حيث تقف تركيا على أهبة الاستعداد العسكري لمواجهة استغلال الأكراد لأزمة السويداء، التي نجحت الحكومة السورية في احتوائها قبل تفاقمها.
ولا يخفى أن تدخّل الإرهابي نتنياهو في أحداث السويداء، هو من قبيل لفت انتباه العالم عن المجاعة التي يسببها حصاره على سكان غزة، وإطالة أمد بقائه في السلطة بافتعال الحروب، من أجل التهرّب من الملاحقة القضائية بسبب تهم الفساد والاحتيال وسوء استخدامه للسلطة.