: آخر تحديث

ملحمة «الكويتية»

5
4
4

تُعد الخطوط الجوية الكويتية شركة الطيران الأولى في المنطقة، إلا أنها واجهت الكثير من المشاكل منذ تأسيسها.

ومع اكتشاف النفط، وتدفقه إلى أسواق العالم، مع نهاية الحرب العالمية الثانية، أدرك عدد من رجال الأعمال الكويتيين، من أصحاب الرؤية، أهمية ربط بلدهم بالعالم الخارجي عبر الجو، فقاموا عام 1953، بتأسيس «الخطوط الجوية الوطنية الكويتية»، التي بدأت عملياتها بأسطول متواضع يتألف من طائرتين من طراز «دوغلاس»، كانت رحلتها الأولى للبصرة، وتبعتها دمشق والقدس وعبادان وبيروت (كنت عام 1956 على متن إحداها).

ونتيجة لظروف خاصة قامت الحكومة عام 1955 بتملك نصف الشركة، قبل أن تكمل شراءها في 1962، وتدخل حقبة جديدة بشهية مفتوحة لمزيد من التمويل، وكان كرم الحكومة معها كبيراً، خصوصاً مع توسّع شبكتها لتشمل أوروبا وآسيا، ثم جاءت محنة الغزو الصدامي في 1990 لتشكل أحلك صفحة في تاريخها، حيث استولى النظام العراقي على 15 من طائراتها، وتدمير الكثير من ممتلكاتها الأرضية، من دون سبب منطقي، لتعود بعد التحرير وتجدد أسطولها، لكن مع ظهور شركات منافسة قوية في مختلف دول الخليج.

ساهم استمرار تغيير مجالس إدارات الشركة، وسوء نوايا بعضها، على مدى ستين عاماً، في زيادة مشاكلها وخسائرها المتراكمة، التي بلغت مليارات عدة، ولا أعتقد أن أية جهة حكومية تعلم مقدار ما صرف عليها حتى الآن، ومع الاستقرار الهش لمجلس إدارتها الحالي، فإن أية زيادة في إيرادات الشركة لا يمكن، في الأوضاع الحالية، تغطية نفقاتها، على ضوء الحجم الكبير للعاملين فيها، الذي قارب 7000 موظف.

* * *

تقول نظرية الحصان الميت، طبقاً لحكمة تنسب إلى الهنود الحمر: عندما تكتشف أنك تركب حصاناً ميتاً، فإن أفضل استراتيجية هي الترجّل عنه! مع ذلك نرى، في عالم الأعمال والحكومة، أن هناك مجموعة واسعة من الاستراتيجيات، التي يمكن اللجوء إليها قبل الترجل عن الحصان الميت، مثل شراء سوط أقوى، تغيير الفارس، تهديد الحصان بالفصل من الخدمة، تعيين لجنة لدراسة وضع الحصان، ترتيب زيارة «خبراء» لدول أخرى، لرؤية كيف يركب الآخرون خيولاً ميتة، خفض المعايير والشروط، بحيث يمكن التعامل مع الخيول النافقة، إعادة تصنيف الحصان الميت على أنه «معاق حي»، الاستعانة بمقاولين خارجيين لركوب الحصان الميت، تسخير خيول ميتة عدة معاً لزيادة السرعة، توفير تمويل وتدريب إضافي لتحسين أداء الحصان الميت، إجراء دراسة إنتاجية لمعرفة ما إذا كان استخدام فرسان أخف وزناً سيُحسّن من أداء الحصان الميت، التصريح بأن الحصان الميت لا يحتاج إلى إطعام، وبالتالي فهو أقل تكلفة، ولا يتسبب في تكاليف تشغيلية، وبالتالي يُسهم بشكل كبير في صافي الربح، مقارنةً ببعض الخيول الأخرى، إعادة صياغة متطلبات الأداء المتوقعة لجميع الخيول، وأخيراً ترقية الحصان الميت إلى منصب إشرافي وتوظيف حصان آخر.

* * *

لا أدعو حتماً للترجل عن «الكويتية»، وتركها لمصيرها، بل أؤمن بإعطاء مجلسها ما هو بحاجة إليه من اطمئنان، وأن يستمر لفترة زمنية كافية، وهذا سيسهم في تمكينه من تحقيق نتائج أفضل، شريطة الاستعانة بخبرات طيران عالمية لتشغيلها، وهذا ما سبق أن طالبت به مرات عدة، بعد أن فشلت الشركة، على مدى 70 عاماً، في خلق CEO أو مدير عام تنفيذي بإمكانه إدارتها باقتدار وكفاءة عالية، دون تدخلات. نقول ذلك دون أن نبخس حق القلة القليلة جداً، والمميزة التي «سُمح لها» بإدارة الشركة، كتنفيذيين، لفترة قصيرة!

إلى ذلك الحين لا طبنا ولا غدا الشر.


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد