محمد الرميحي
دون قراءة كتاب المؤرخ الفلسطيني صقر أبو فخر (فشل النخبة الفلسطينية)، لا يستطيع المتابع أن يفهم تضاريس القضية، فهو يرى أن (الجهل بالواقع الإسرائيلي من جهة، وامتناع الاندماج الوطني)، عاملان مقعدان لأي تقدم في القضية.
اليوم، بعد هذه التضحيات الكبرى التي قدمها الشعب الفلسطيني في غزة، وقد أثار ما يظهر على شاشات العالم من مطاردة وقتل وتجويع، أثار ضمير الكثير من الناس، وبدأت بعض الحكومات الغربية تميل إلى النظر في هذا الصراع من منظور جديد غير مسبوق. بلاد مثل فرنسا وإسبانيا وإيرلندا وغيرها، بدأت تنادي علناً بضرورة وجود دولة فلسطينية مستقلة، إلا أن العاملين اللذين أشار لهما أبو فخر، ما زالا يعملان!!
الأسبوع الماضي، كان إيمانويل ماكرون رئيس الجمهورية الفرنسية، في العاصمة البريطانية، وقد طالب من أعلى منبر في زيارته الرسمية لتلك البلاد، طالب الحكومة البريطانية تكرار أن تفكر في الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ووجهة نظره، أن حل هذا الصراع لن يكون إلا بدولة فلسطينية، تقوم على أساس العدالة والإنصاف.
إذن، هناك تيار يزداد توسعاً، وينمو في الغرب، وأساساً لدى المطابخ الحكومية، أن هذه المشكلة القديمة الجديدة، يمكن أن تحل بدولة فلسطينية، من أجل استقرار منطقة الشرق الأوسط، وأيضاً استقرار العالم. وطبعاً، هذا الاعتراف لا يجب فيه تجاهل إسرائيل، لأنها دولة عضو في الأمم المتحدة.
هذه المطالبات الغربية لها شروطها، بأن تكون الدولة القادمة من غير «حماس»، أما الشرط الثاني، فلا بد من لمّ شتات الفلسطينيين في كيان واحد حديث وفعال، وهذا من العوامل المعيقة للقضية منذ نشأتها، كما يرى أبو فخر. هذان الشرطان هما اليوم قاعدة احتمال اعتراف دولي واسع بالقضية.
هل تقوم «حماس» في هذه اللحظة التاريخية، بتقديم المصلحة الفلسطينية الكبرى، التي ناضل الشعب الفلسطيني طويلاً من أجل الوصول إليها، وتأخير مصلحتها الذاتية، والتضحية بها، من أجل فلسطين، أم تظل تنادي بمقولاتها، إنها لا بد أن تكون جزءاً لا يتجزأ من الدولة القادمة، ككيان مسلح وحاكم، هذا الشرط لن تقبله الدول الغربية، وقد قالت ذلك بصراحة وبوضوح.
إذا كان الفلسطينيون يريدون أن يستفيدوا من هذه الفرصة التاريخية غير المسبوقة، لا بد لهم من تحقيق هذين الشرطين، لا «حماس» ولا تشرذم فلسطيني، الشرطان موضوعان من الدول التي تريد الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وأي مكابرة في هذا الأمر، سوف يفوت الشعب الفلسطيني فرصة تاريخية غير مسبوقة، ربما هي الفرصة الأخيرة.
هنا حذاقة العمل السياسي المفقود، والذي لاحظ أبو فخر انتفاءه في كل المسار، فإن استمر بعض الفلسطينيين في التصعيد، و(يا هذا المركب وإلا ما أركب)، فإن هذه الفرصة سوف تتبخر تدريجياً، عندما تنحسر صور القتل الجماعي للفلسطينيين من على الشاشات وسائل الإعلام الدولية، وينسى العالم كل هذه المجازر التي ارتُكبت في السنتين الماضيتين. أما إذا تغلبت الحكمة، وقالت «حماس» لنفسها ولجمهورها، إنها أدت واجباً تاريخياً، وإنها تتنحى الآن لصالح الأغلبية من شعبها، فإن ذلك رأس الحكمة. فهل تقوم «حماس» بفعل ذلك؟ لدي شكوك في هذا الأمر.
ويبدو أن النخب الفلسطينية قادرة في كل مرة من مسيرة تطور نضالها على تضييع الفرص! كما أكد أبو فخر في كتابه، وأكده أيضاً رشيد الخالدي في كتابه (مئة عام من الحروب في فلسطين)، غياب العقل السياسي، وتجذّر العقل الريفي، والغرق في الخلافات.
في هذا الحديث إشارة للعقلاء والقادرين على التفكير خارج الشعارات التي ضج بها الفضاء العربي لمدة نصف قرن أو أكثر، فهل تفعل «حماس» ما يجب عليها أن تفعله، باتجاه تغليب مصالح الأغلبية على مصالحها الحزبية؟ أم أن هناك أصواتاً أخرى تزيف لها الحقيقة، وتغريها بالانتصار، وعليها أن تستمر في المساعدة على أن تقوم الآلة الإسرائيلية الكريهة والعنصرية، بإبادة ما بقي من الشعب الفلسطيني!!