: آخر تحديث

من الرابح من قمة ترمب مع بوتين؟

4
3
3

محمد سليمان العنقري

قمة تاريخية جمعت رئيس أمريكا مع نظيره الروسي في ألاسكا الولاية الأكبر في أمريكا والتي تعادل نحو 20 في المائة من مساحتها، فقد كانت ألاسكا في الأصل روسية وأشترتها واشنطن عام 1867م بسبعة ملايين ومائتي ألف دولار من روسيا القيصرية، فكان اختيار موقع القمة أولى الدلالات على إظهار قوة أمريكا، بأن يكون الاجتماع في المنطقة التي ظهرت أهميتها في التنافس على الثروات الطبيعية فيها وهي منطقة القطب الشمالي، حيث لروسيا مصالح كبيرة فيها، إضافة إلى إظهار أمريكا أنها تستخدم قوتها بالتوازي مع الانفتاح الدبلوماسي والأهم بالنسبة لبوتين أن أمريكا ليست عضوا في المحكمة الجنائية الدولية وبالتالي لن يواجه حرجا بالسفر إليها، كما أن موقع الاجتماع قاعدة عسكرية، مما يعني أنها مكان لا يتطلب جهدا تحضيريا كبيرا للقاء من الناحية الأمنية والاستخباراتية للطرفين.

لكن يبقى السؤال: من الرابح من هذه القمة؟ وهل ما قبلها يشابه ما بعدها؟ فرغم أن الإجابات والتقديرات الأولية لنتائجها تعد أولية ولا يمكن اعتبارها تمثل صورة متكاملة عما نتج عنها، لكن هنا مؤشرات قد تعطي بعض التصورات الرئيسة لما يبحث عنه العالم من إجابات وخصوصا أوروبا المعني الأول بالقمة، إضافة لمجموعة بريكس، فليس كل ما نوقش بين الزعيمين محصورا بملف الحرب الروسية – الأوكرانية، فهناك ملفات ذات أهمية بالغة تخص الدولتين، تحديدا في ملف العقوبات الأمريكية على روسيا التي تجاوزت 6400 عقوبة وكذلك الطاقة والاستثمارات فيها بمنطقة القطب الشمالي، إضافة لإمكانية تعزيز التبادل التجاري بينهما وخصوصا تصدير المعادن من روسيا لأمريكا وفتح المجال للشركات الأمريكية لتدخل السوق الروسي الذي يعد خامس أكبر سوق استهلاكي في العالم.

لكن في حسابات من الرابح الأكبر فإن القول المختصر كلاهما ربح، يعد تسطيحا للواقع، فالمتضرر الأكبر من استمرار الحرب والعقوبات التي نتجت عنها هي روسيا، فيمكن القول إن «الأمتار الأولى» في حسابات القمة تعطي مكاسب لروسيا مهمة جدا، حيث كسرت طوق العزلة بقمة مع الدولة الأهم والأكبر تأثيرا عالميا وكذلك بالطبع على أوروبا غريم روسيا الأول بهذه الحرب، إضافة لإمكانية تخفيف أو إزالة العقوبات تماما بعد أن تتوقف الحرب، حيث أعلن الرئيسان عن توافق في نقاط عديدة وترك الاتفاق النهائي لما بعد أن يبدأ ترمب جولة من الاتصالات مع قادة أوروبا ورئيس أوكرانيا، حيث سيقول لهم: لقد أذبت الكثير من نقاط الخلاف والآن أصبحت الكرة بملعبكم لتنهوا هذه الحرب وتداعياتها الخطيرة، فهو يقدم لهم فرصة قد لا تتكرر لإنقاذ امنهم واقتصادهم.

لكن في الحقيقة وعلى المدى المتوسط والبعيد، إذا توقفت الحرب ونجح ترمب بمساعيه لإنهائها فإن الرابح الأكبر بالمحصلة النهائية هي أمريكا، لأنها أثبتت للجميع مكانتها بإيقاف الحرب وأنه لا وجود لقوة غيرها حاليا يمكنها القيام بهذا الدور ولذلك يمكن أن تحقق عدة أهداف استراتيجية كبرى، أولها تأكيد أنها القطب الأوحد في العالم والقادرة على إنهاء أي نزاع في العالم وأنها الملاذ الأهم لحل الخلافات وإعادة التوازن في الصراعات الدولية أو حسمها، كما أن إنهاء الحرب سيبقي أوروبا بحاجة دائمة لأمريكا بكل المجالات، إضافة لنيل أمريكا مكاسب اقتصادية مهمة في أوكرانيا ومع روسيا، كما أن لتعزيز العلاقة الاقتصادية بين موسكو وواشنطن دورا كبيرا في إعادة رسم خارطة التجارة الدولية، مما يعد انتصارا ضمن معركة التنافس الأمريكي - الصيني في هذا الملف المهم، بل قد يؤثر في تقدم بريكس ككتلة اقتصادية منافسة لمجموعة السبع الكبار، لأن روسيا ركيزة أساسية فيها وإذا تعززت مصالحها مع أمريكا، فهي ستوازن بين موقعها في بريكس وعلاقتها بواشنطن التي ستعد نفسها منتصرة بهذه الجزئية على بكين، خصوصا إذا أعيد ضم روسيا لمجموعة الصناعيين السبعة الكبار لتكون هي الثامنة كما في السابق قبل حربها مع أوكرانيا وبذلك سيمثل هذا التحول ضربة كبرى للهيمنة الصينية اقتصاديا وتجاريا، فلن يكون هناك نفط روسي يباع بأرخص من سعر السوق للصين والهند في حال رفعت العقوبات عن موسكو.

وهو الأمر الذي ساهم بتعزيز من تنافسيتهم بتكاليف الإنتاج والسيطرة على التضخم في الأعوام الثلاثة الماضية.

قمة ألاسكا ما بعدها ليس كما قبلها ولو لم تتحقق كل النتائج المتصورة عنها، لكنها على النطاق الضيق لمكاسب الدولتين فإن تغيرا سيحدث فيها لصالح تعزيز الشراكات والتجارة بينهما، سيكون له أثر إيجابي كبير يخدم أمريكا في مواجهتها مع الصين لتبقى القوة الأولى بالعالم اقتصاديا، كما أن أوروبا أصبحت أمام خيار وحيد هو التوافق مع رؤية واشنطن لإنهاء الحرب واستعادة الاستقرار لاقتصاداتها وإذا عطلت مساعي ترمب فقد تواجه تبعات معقدة مستقبلا أمنيا واقتصاديا.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد