: آخر تحديث

ثراء الحوار

3
2
2

الحوار الإنساني بات اختباراً حقيقياً للسلام، في ظل تآكل ممنهج أصاب منابره السياسية والفكرية والثقافية والاجتماعية، وأضعف قدرته على احتواء الاختلاف وإدارته. فالعالم، الذي يتسم اليوم بتعدد مراكزه وتداخل أزماته، لم يعد يواجه صراعات تقليدية فقط، بل أزمات هوية وسرديات متضادة حولت التنوع من قيمة إنسانية جامعة إلى ساحة صدام مفتوح. في هذا السياق، لم يعد الحوار خياراً أخلاقياً أو خطاباً رمزياً، بل أداة سياسية وفكرية لقياس قدرة الدول على حماية السلم والاستقرار.

ضمن هذه اللحظة العالمية الدقيقة، عقد في الرياض المنتدى العالمي الحادي عشر لتحالف الأمم المتحدة للحضارات، ليعيد الاعتبار للحوار بوصفه مساراً فعلياً لإدارة الاختلاف، لا شعاراً نظرياً منزوع الأثر. وجاء انعقاد المنتدى في وقت تتقاطع فيه التحديات الجيوسياسية مع تصاعد خطاب الكراهية، وتراجع الثقة بين المجتمعات، واتساع الفجوة بين الثقافات، ما جعل من الحوار ضرورة ملحة لا يمكن تأجيلها.

المنتدى، الذي أقيم برعاية وحضور صاحب السمو الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله وزير الخارجية، حمل دلالات سياسية تتجاوز إطار الفعالية الأممية، ليعكس توجهاً سعودياً راسخاً يرى في الحوار أحد أعمدة بناء السلام. وفي كلمته، أكد وزير الخارجية أن دعم المملكة لتحالف الأمم المتحدة للحضارات ينطلق من إيمان عميق بأن التواصل بين الثقافات والحضارات يمثل السبيل الأمثل لتحقيق السلام والتعايش، وبناء الثقة بين الشعوب، ومنع النزاعات أو تسويتها قبل أن تتحول إلى صراعات مفتوحة.

وأشار سموه إلى أن هذا النهج ليس وليد اللحظة، بل امتداد لسياسة سعودية متواصلة، ترجمت إلى مبادرات عملية ومؤسسات دولية فاعلة. ففي عام 2012، شاركت المملكة، إلى جانب إسبانيا والنمسا ودولة الفاتيكان، في تأسيس مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، ليكون منصة دولية دائمة لمواجهة خطاب الكراهية والتعصب والإقصاء القائم على الدين أو العرق أو الهوية الثقافية.

كما واصلت المملكة دعمها لجهود المنظمات الدولية والإقليمية، وفي مقدمتها تحالف الأمم المتحدة للحضارات، ومنظمة اليونسكو، ورابطة العالم الإسلامي، ومنظمة التعاون الإسلامي، في مجالات تعزيز ثقافة الحوار ومواجهة أطروحات التطرف والعنف. وأكد وزير الخارجية أن رؤية المملكة 2030 لا تختزل في بعدها الاقتصادي، بل تمثل مشروعاً وطنياً ثقافياً يرسخ قيم الاعتدال والانفتاح، ويعمل على بناء مجتمع منفتح وقادر على التفاعل الإيجابي مع العالم.

وفي هذا الإطار، أسست المملكة مؤسسات متخصصة، من بينها مركز الملك عبدالعزيز للتواصل الحضاري، ومركز اعتدال لمواجهة الفكر المتطرف، ومركز الحماية الفكرية، في انسجام واضح مع المبادئ التي يسعى تحالف الأمم المتحدة للحضارات إلى ترسيخها عالمياً. وبذلك، لم يكن المنتدى محطة نقاش فحسب، بل تجسيداً لرؤية سعودية ترى في الحوار ثراء إنسانياً، وفي الاختلاف فرصة للتفاهم، لا مبرراً للصراع.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد