: آخر تحديث

الامتحان الحقيقي في سوريا...

3
3
3

خيرالله خيرالله

لابدّ من العودة إلى السؤال الأوّل والأهم. إنّّه السؤال المتعلق بنجاح أحمد الشرع، في داخل سوريا وليس الاكتفاء بالنجاحات الخارجية، وهي نجاحات لابدّ من الاعتراف بأنّها مرموقة. كان الانتهاء من «قانون قيصر» آخر النجاحات التي تحققت على الصعيد السوري. لم تعد سوريا تحت عقوبات أميركيّة وتستطيع بذلك إعادة بناء علاقتها مع العالم، العالم الغربي خصوصاً من دون عقد. لكنّ المهمّ ما حجم التغيير في الداخل السوري الذي سعى نظام الأسد إلى تدميره؟ هل تعود سوريا دولة طبيعية، دولة مساواة بين مواطنيها كما وعد أحمد الشرع...؟

بكلام أوضح، هل تستطيع سوريا التصالح مع نفسها بدءاً بالتخلي عن شعارات من نوع تصديق أنّّها «قلب العروبة النابض» في منطقة لا يحتاج فيها أي بلد إلى دروس في الوطنية من بلد آخر؟

في هذه الأيّام، تمرّ الذكرى الأولى لفرار بشّار الأسد إلى موسكو. لم يكن الأمر مجرّد فرار لديكتاتور دموي كان يعتقد أنّ في استطاعته توريث سوريا لنجله كما حدث مع والده حافظ الأسد، لدى وفاته في العام 2000. يتعلّق لأمر بتغيير كبير على الصعيد الإقليمي.

ما تبين بعد سنة على تخلّص سوريا من نظام أقلّوي، تحكّم بالسوريين، بين 1970 ونهاية 2024 أنّ ليس في الإمكان الاستخفاف بالتحديات التي تواجه النظام الجديد في سوريا، بما في ذلك مستقبل أبناء الطائفة العلويّة ومنطقة الساحل السوري. توجد مشكلة علويّة في سوريا. هذا واقع لا مفرّ من الاعتراف به. لكن هل في استطاعة بقايا النظام السابق تحويل المشكلة العلويّة إلى قضيّة علويّة؟ من الواضح أنّ بقايا النظام تسعى إلى ذلك عن طريق إسرائيل التي حمت النظام الأسدي منذ قام. لم ترفع الغطاء عنه إلّا بعدما ارتكب بشّار الأسد في أواخر العام 2024 غلطة العمر المتمثلة في السماح بنقل أسلحة متطورة إلى «حزب الله» عن طريق الموانئ السوريّة.

إلى أي حدّ يمكن أن تذهب إسرائيل في دعم المجموعات التي تعمل من أجل خلق قضيّة علويّة؟ من الصعب الإجابة عن مثل هذا السؤال. لكن الأكيد أنّ إدارة الرئيس دونالد ترامب، تقف أقلّه في المدى المنظور، حاجزاً في وجه إسرائيل ولديها مصلحة في المحافظة على وحدة سوريا. عند هذه النقطة تلتقي الإدارة الأميركيّة مع تركيا التي تدعم بدورها النظام الذي على رأسه أحمد الشرع.

سيتعمد الكثير في المستقبل على قدرة النظام السوري الجديد على أن يكون مختلفاً. لا يكون ذلك سوى بالابتعاد عن ممارسات حافظ وبشّار الأسد، خصوصاً لجهة كيفية التعاطي مع الأقلّيات بدءاً بالدروز وانتهاء بالعلويين مروراً بالأكراد. من واجب النظام السوري الجديد قطع الطريق على إسرائيل المستعدّة للربط مع بعض الجهات العلوية والمساعدة في تحويل مشكلة هذه الجهات إلى قضيّة.

لا يمكن تجاهل وجود آلاف الضباط والعسكريين العلويين في بيوتهم. ليس أسهل من لجوء إسرائيل في دعم هؤلاء في غياب استيعابهم بطريقة أو بأخرى. لا يمكن تحميل كلّ العلويين مسؤولية ارتكابات حافظ وبشّار الأسد وجعل المواطن العلوي، الذي عانى بدوره من ممارستهما، يدفع الثمن. من الضروري التذكير بأنّ حافظ الأسد، بعقله الجهنمي، أفقر عن سابق تصوّر المناطق العلوية كي بجبر أبناء هذه المناطق على الالتحاق بالجيش والأجهزة الأمنيّة التي كانت العمود الفقري لنظامه.

لا شكّ أن هناك علويين من نوع ماهر الأسد ورامي خلف وكمال حسن، آخر مدير للمخابرات الجويّة، يتآمرون على سوريا ويحلمون باليوم الذي يصبح فيه العالم يتحدّث عن قضيّة علوية. لكن مما لا شك فيه أيضاً أن على النظام الجديد في سوريا واجبات تجاه كلّ مواطن سوري بغض النظر عن دينه أو مذهبه أو قوميته. لن يكون الغطاء الأميركي والتركي وحتّى العربي كافياً في المدى الطويل من أجل حماية سوريا من المخاطر التي تتهدّدها في الجنوب والساحل والمناطق التي يوجد فيها الأكراد. لا يحمي سوريا ووحدتها في نهاية المطاف غير المساواة بين المواطنين.

يبقى أنّ العبارة الأهمّ التي تصلح شعاراً قابلاً للتحقيق في المرحلة المقبلة، هي عبارة تصالح سوريا مع نفسها. الإنجازات التي تحققت في الخارج مهمّة جدّاً، لكن لا قيمة لها في حال غياب التغيير الداخلي على كلّ صعيد. يشمل ذلك في طبيعة الحال تفادي قيام طبقة أو مجموعة متميزة على حساب مصالح الشعب السوري بكل فئاته بغض النظر عن الطائفة والمذهب والقوميّة. ذلك هو الامتحان الحقيقي أمام النظام السوري الجديد في ظلّ معطيات إقليميّة مختلفة جذريا عن الماضي القريب.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد