محمد الرميحي
ناظم الزهاوي وزير الخزانة في الحكومة البريطانية السابقة، وهو من أصل عراقي، اضطر أن يقدم استقالته لشبهة في سجله الضريبي، وشولب صديقي عضوة برلمانية عن العمال من أصل بنغالي، استقالت بسبب إدانة في بنغلادش، فقط مثالان من عدد آخر من الأمثلة، تجعلنا نفكر كيف يعيش الإنسان بين ثقافتين. لم تعد الهجرة في عالم اليوم مجرد انتقال جغرافي، بل أصبحت انتقالاً بين منظومتين من القيم والثقافة والقانون في آن واحد.
هذه القضايا لا تختبر الأفراد وحدهم، بل تختبر أيضاً الديمقراطيات الغربية ذاتها، كما تفضح في المقابل هشاشة بناء دولة القانون في كثير من بلدان الجنوب، ففي الغرب، يُنظر إلى مثل هذه القضايا بوصفها خرقاً قانونياً وأخلاقياً واضحاً، بينما تختلط في بلدان الأصل الاعتبارات القانونية بالصراعات السياسية، ما يضعف الثقة بالأحكام، ويخلط بين العدالة والمساءلة من جهة، والتصفية الرمزية من جهة أخرى.
في المحصلة، تؤكد هذه التجارب حقيقة أساسية: القانون يمكن أن يُنقل، أما الثقافة فلا تُنقل بسهولة. وبناء دولة حديثة لا يقوم على استيراد التشريعات فحسب، بل على تحويل الثقافة العامة من ثقافة العلاقات الشخصية إلى ثقافة المؤسسات.

