كما نال بعض من دخلوا في تجربة دانينغ وكروغر درجاتٍ متدنيةً في اختبارات المنطق والقواعد وحسّ الفكاهة، ومع ذلك قيّموا أنفسهم على أنهم فوق المتوسط. كما نجد الأمر مع موظف ضعيف الأداء، أساساً، لكنه يعلن استعداده للتطوّع دائماً للقيام بوظائف أكبر من قدراته، ويصرّ على أن طريقته هي الفضلى، ويقاوم أي نقد أو تدريب إضافي لأنه «متأكد» أنّه يفهم العمل أكثر من زملائه، بينما تقييمه الموضوعي متدنٍ. أو مدير محدود الخبرة يرفض استشارة المختصين أو أهل الخبرة، ويتخذ قرارات كبيرة بثقة مفرطة، ما يسبب أخطاء فادحة للمؤسسة، ثم يبرّر الفشل بعوامل خارجية لا بعجزه عن تقييم نفسه. ونرى أيضاً أفراداً يقرأون بضعة منشورات على وسائل التواصل عن موضوع معقد، كاللقاحات، أو الاقتصاد، ثم نجدهم يتحدثون بثقة عالية كأنهم خبراء، مع أنهم لا يمتلكون أساسيات المنهج العلمي في هذا المجال.
وفي السياسة، تجد من يقدّم آراء حاسمة في الدستور أو النظم الانتخابية أو السياسات الاقتصادية، ثم إذا سُئل عن أبسط التفاصيل لا يعرف الإجابة، ومع ذلك يظل مقتنعاً بأن موقفه هو الأصح وأن الآخرين «مغفَّلون». ويظن بعض هؤلاء أن قيادتهم للسيارة «ممتازة»، فيسرعون، ويستخدمون الهاتف، ويتجاوزون القوانين لأنهم يعتقدون أنه بإمكانهم «السيطرة على السيارة»، دون إدراك لحجم المخاطر.. وهكذا الكثير.
كما نرى في الجانب المعاكس، ميل البعض للتقليل من الذات، على الرغم من أنهم خبراء، حيث نجد باحثاً متمكناً يظن أن موضوعاً ما «بسيط» لأنّه سهل عليه فهمه، فيعتقد أنه أيضاً سهل على الجميع، فيقلّل من تميّزه ويعتقد أن الآخرين يعرفون ما يعرفه تقريباً، فيقيّم نفسه أقل من مستواه الواقعي.
هذه الأمثلة توضح جوهر تأثير دانينغ–كروغر: فمن لا يعرف، لا يعرف أنه لا يعرف؛ لأن المهارات المطلوبة لفهم الموضوع هي نفسها المهارات اللازمة لاكتشاف الجهل بالموضوع.
* * *
الطريف في الأمر أعلاه أن نظرية Dunning–Kruger حازت «جائزة نوبل للحماقة الساخرة»، أو «جوائز داروين»، وهي جائزة غير رسمية تنظمها مجلة «حوليات الأبحاث المُستحيلة»، الفكاهية، بهدف تسليط الضوء على دراسات غريبة أو تافهة أو مُخالفة للبديهة، ضمن فئات تُشبه جوائز نوبل، ولا تتمتع بأي صفة علمية. وقد اعتقد البعض، أو غالبية من اطلع على هذه الدراسات، أنها حازت بالفعل نوبل، وهذه من تأثيرات السوشيال ميديا، السلبية.
أحمد الصراف

