: آخر تحديث

الحياة الجديدة والأجيال الرقمية

5
4
4

عبدالله الزازان

يحذر الكاتب الكندي «كارل أونوريه»، منظر فكرة الحياة البطيئة، من السرعة المخيفة والفظيعة للتكنولوجيا، التي أدت إلى تضاؤل الإحساس بالوقت، و تحولت معه ملاحقة الوقت إلى حالة إدمان. فالتكنولوجيا الحديثة غيرت موقف الإنسان من الحياة، فقد كانت بصورة عامة يتناوب فيها السكوني بالحركي، والتريث بالسرعة، والهدوء بالضجيج. وقضت التكنولوجيا نهائيًا على الحالة السكونية، والاستمتاع باللحظة الحالية. والوجود الكامل في اللحظة الآنية، فثقافة البطء الإيجابي تركز على الاستمتاع، والتوازن في اختيار الأفضل، والتأمل، وتحديد الأولويات، وتقوية العلاقات، والتمركز في اللحظة الحالية. ففي عصر التقنية يشهد العالم تحولًا هائلًا في التغيرات المجتمعية جراء الأفراط في استخدام التكنولوجيا، التي أضعفت التفاعل الاجتماعي، وزادت الشعور بالعزلة. يقول أونوريه في كتابه «في مديح البطء» علينا أن نحدد أولوياتنا بدقة، ونترك كل شيء آخر يذهب، فقد سئمنا من السرعة المخيفة التي اجتاحتنا، وجعلتنا نشعر بأننا نتسابق مع حياتنا بدلًا من أن نعيشها بالفعل، ونقفز للحظة الأخرى قبل أن نعيش لحظتنا الحالية، وذلك بسبب ما يُفرضه علينا إيقاع الحياة السريع، وهذا لن يكون إلا بتكوين علاقات متوازنة مع التقنيات الحديثة. ونتعلم كيف نتعامل مع التكنولوجيا، ونتوقف عن التنقل بين مواقع التواصل الاجتماعي بلا هدف. يعتقد عالم النفس البريطاني «غابي كلا كستون»: أن السرعة أصبحت أمرًا مألوفًا، رغم أنها لا تمنح الوقت الكافي لتقدير ما يجب تقديره، والتفكير فيما يجب التفكير فيه. في كتاب «تغير العقل» للبريطانية الخبيرة في العلوم العصبية سوزان جرينفلد، تناقش تأثر العقل بالتكنولوجيا والإنترنت، من واقع تركيزها على مواقع التواصل الاجتماعي، وألعاب الفيديو، ومحركات البحث، والتي حولت الإنسان الحديث إلى إنسان رقمي. وقد نجد هذا واضحًا في الجيل الجديد، الذي غيرت التكنولوجيا نمط تفكيره، وثقافته، وأولوياته، وتطلعاته، بل حياته كلها. حيث تحول إلى جيل رقمي. وهذا ما أكده عالم الاجتماع المجري « أنولد هاوزر»، بأن تأثير السرعة المخيفة للتكنولوجيا الرقمية زادت من سرعة تغير الأمزجة، ومعايير الذوق الجمالي والشغف بالجديد لمجرد كونه جديداً، وتضاؤل الإحساس بالممتلكات، والعلاقات الشخصية، فأصبحت الحياة مجرد تسجيلًا للحظة عابرة، لذلك سيطرت الحالة العابرة على الحالة الثابتة. كل ذلك خلق شعورًا بالعجز التام عن ملاحقة الإيقاع السريع للحياة، حيث تعاقب الزمن بسرعة مذهلة، نتيجة للسرعة المخيفة للتطور التقني. تمكنت التكنولوجيا الرقمية من إرساء ثقافة إلكترونية عالمية، من خلال الربط بين تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. فعالم ما بعد الحداثة أفرز ثقافة رقمية سادت العالم، وظهر ما يعرف بالإنسان الرقمي. لذلك، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي تشكل قوة مجتمعية في تكوين القناعات، وتوجيه الرأي العام، والهيمنة على مختلف الموضوعات العامة، وقضايا الشأن العام. فالتوقعات تشير إلى أنه في 2026، ستتضاعف القوة المعلوماتية ثمان آلاف ضعف عما هي عليه الآن، وأن عدد سكان العالم سوف يصل إلى 8 مليارات، وسيكون من بينهم 3 مليارات يستخدمون شبكة الإنترنت، فعند ذلك سنكون بصدد 3 مليارات من الأفراد ذوي الهويات الافتراضية. تكون فيه الأجيال الرقمية في حالة دوران بفلك افتراضي عالمي لا نهاية له، تتحول فيه العلاقات من خارج نطاق المنزل، والمدرسة، والحي، والمدينة، والجماعة، إلى علاقات عالمية. وتصبح وسائل التواصل الاجتماعي لاعبًا رئيسا في التحولات المستقبلية. وقد أكد الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، على قدرة وسائل التواصل الاجتماعي على التأثير في المجتمعات الإنسانية عندما قال: « نحن أمة من الفيس بوك وقوقل».


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد