منذ انطلاقه، مثّل موسم الرياض إحدى العلامات البارزة في الحراك الثقافي والفني والسياحي الذي تشهده المملكة العربية السعودية، ضمن مسيرة التحول الشامل الذي رسمت ملامحه رؤية السعودية 2030. لم يكن الموسم مجرد فعالية ترفيهية، بل مشروع وطني ضخم يجمع بين الفن والثقافة والسياحة والاقتصاد، ويعكس قدرة المملكة على صياغة نموذج إبداعي فريد يستقطب أنظار العالم.
وعلى مدى سنواته، احتضن الموسم رموز الثقافة والفن في العالم العربي، وفي مقدمتهم الأشقاء المثقفون والفنانون المصريون، الذين شكّل حضورهم إضافة نوعية للمشهد، تأكيدًا على متانة الروابط التاريخية بين الشعبين، وامتدادًا للعلاقات الأخوية التي تتجاوز حدود السياسة إلى عمق الثقافة المشتركة. وقد شهدنا في كل دورة تعاونًا صادقًا وإقبالًا جماهيريًا واسعًا، مما جعل الموسم منصة جامعة لكل المبدعين العرب.
لكن ما إن بدأت ثمرة هذا الجهد الوطني تؤتي أكلها، حتى ظهرت على السطح أصوات مأجورة، تسعى إلى تشويه الصورة، وبث رسائل مغرضة عبر قنوات ومنصات إلكترونية تعمل ضمن حملات منظمة، لا تمثل الرأي العام ولا تعبّر عن واقع الإنجاز الماثل أمام الجميع. لم يكن غريبًا أن هذه الهجمات جاءت من جهات تتقاطع مصالحها مع تعطيل أي مشروع تنموي سعودي ناجح، فاستهدفت الأشخاص والمؤسسات، تارةً بذريعة الانفتاح الثقافي، وتارةً أخرى بتشويه صورة التعاون العربي.
وعندما أعلن معالي المستشار تركي آل الشيخ، وبعد أن طفح الكيل، التوجه إلى الاعتماد بشكل أكبر على الكفاءات السعودية والخليجية والعالمية في إدارة وتنظيم الموسم، انطلقت الحملة نفسها وبالأسلوب ذاته، وكأن التغيير لم يكن سوى ذريعة جديدة للهجوم. وهنا تتضح الحقيقة بلا مواربة: لم يكن الهدف يومًا هو “موسم الرياض” بحد ذاته، ولا أسماء المشاركين فيه، بل استهداف مسيرة النهوض الوطني، وإرباك مشاريع التنمية التي تمضي بخطى واثقة نحو مستقبل مزدهر.
إن ما يغيب عن هذه الأصوات — عمدًا أو جهلًا — أن موسم الرياض يمثل نموذجًا مصغرًا لما تشهده المملكة من طفرة شاملة في مجالات متعددة: من البنية التحتية إلى السياحة، ومن الثقافة إلى الاقتصاد الإبداعي. هو انعكاس لقدرة السعوديين على تنظيم فعاليات تضاهي أضخم المهرجانات العالمية، وإدارة منظومات معقدة من الإنتاج الفني، واستقطاب الملايين من الزوار من الداخل والخارج. وهذه القدرة ليست نتاج الصدفة، بل ثمرة تخطيط استراتيجي طويل المدى، وتوظيف محكم للموارد، وتكامل بين القطاعين العام والخاص.
الهجمات الموجهة ضد موسم الرياض لا تختلف في جوهرها عن حملات أخرى شهدناها ضد مشروعات سعودية ناجحة في مجالات الاقتصاد والطاقة والسياحة والرياضة. كلها تأتي من خلفية واحدة: الخوف من نموذج نجاح عربي مستقل، قادر على المنافسة عالميًا، ومن مجتمع يثبت أنه قادر على الجمع بين الأصالة والتجديد في معادلة متوازنة.
ولعل ما يميز الموقف السعودي في مواجهة هذه الحملات، هو الثقة التامة في المسار، وعدم الانشغال بالردود الانفعالية، والاكتفاء بالإنجاز الفعلي كأبلغ رد. فالموسم، رغم كل محاولات التشويش، يحقق أرقامًا قياسية في عدد الزوار، ويستقطب كبار الفنانين والمبدعين العالميين، ويوفر فرص عمل مباشرة وغير مباشرة لآلاف الشباب والشابات، ويسهم في رفع مساهمة قطاع السياحة والترفيه في الناتج المحلي.
إن موسم الرياض ليس مجرد مهرجان ترفيهي، بل رسالة حضارية تقول للعالم: نحن نصنع الفرح، ونستثمر في الإبداع، ونجعل الثقافة والفن جزءًا من منظومة التنمية الوطنية. أما الحملات المأجورة، فستظل خارج سياق الحركة الطبيعية للتاريخ، عاجزة عن وقف قافلة النماء التي تمضي بثقة نحو أهدافها المرسومة.
وفي النهاية، يظل النجاح الحقيقي هو المعيار الوحيد للحكم. وموسم الرياض، بما حققه ويحققه، يبرهن أن المملكة ماضية في طريقها، وأن المستقبل الذي نراه اليوم في طور التشكل، سيكون أكثر إشراقًا، مهما علت أصوات التشويش، ومهما حاولت أيادي التعطيل.