: آخر تحديث

حماس….نُخب تحتمي… وشعب يُفنى

2
3
2

تكشف التقارير المتداولة الأخيرة حول تهريب عائلات قيادات حركة حماس خارج قطاع غزة، في ذروة المجازر التي طالت المدنيين، عن انكشاف فاضح لأزمة أخلاقية مركّبة تضرب جوهر الخطاب السياسي الفلسطيني، لم تعد هذه الازدواجية مجرد شبهة، بل أصبحت دليلاً مادياً على خيانة مستترة بشعارات المقاومة، واستغلال فجّ لمعاناة شعب تُداس كرامته يومًا بعد يوم باسم القضية.

حين تَظهر وثائق تؤكد تهريب أرملة يحيى السنوار وعائلات قيادات أخرى بجوازات سفر مزوّرة وبغطاء لوجستي من أطراف أجنبية، فإننا لا نقف أمام حدثٍ عابر، بل أمام انهيار تام لمنظومة ادّعت أنها حاملة لواء المقاومة، قيادة تحرِص على إخراج أبنائها من أتون الحرب بينما تطالب شعبها بـالصمود، لا تمثل إلا نفسها، ولا تملك حق تمثيل من زُجّوا في الموت دون قرار أو مشورة، إنها ليست ازدواجية أخلاقية فحسب، بل طبقية سياسية مستعلية، ترى في الفلسطينيين أدوات يُستهلكون لصناعة بطولات إعلامية، بينما يُؤمَّن القادة وأهلوهم في فنادق الخارج.

التقارير التي تحدّثت عن خطة سرية تهدف لتأمين خروج عائلات قيادات حماس، متضمنة وثائق طبية مزورة وسندات لوجستية وأموال ضخمة، تكشف أن القرار بالذهاب إلى التصعيد العسكري لم يكن بدافع الضرورة، بل ضمن حسابات سياسية خالية من أي بُعد إنساني، لقد كانت الحرب خيارًا مدروسًا، لا قدرًا مفروضًا، وخُطّط لها مسبقًا من قِبَل من سيشاهدون الدماء من خلف الشاشات، الشهادة، وفق هذا الخطاب المشوَّه، لا تعني الدفاع عن الأرض والكرامة، بل التوظيف السياسي لجثث المدنيين، والضحية لا تُقاس ببراءتها أو مأساتها، بل بمدى فائدتها في تحقيق مكسب استراتيجي أو كسب عاطفة آنية.

حين تطلق نفس القيادات التي هرّبت عائلاتها نداءات "أنقذوا غزة"، فإن ذلك ليس إلا فعلًا مسرحيًا يفتقر إلى أدنى درجات الصدق الأخلاقي، ممن تُنقذ غزة؟ ممن تستصرخون الضمير؟ أليس أنتم من جرّها إلى هذه الهاوية، وتركتم أطفالها يواجهون الموت بلا مأوى، بينما كان أطفالكم على متن الطائرات الخاصة في طريقهم إلى ملاجئ آمنة؟ الخطاب هنا ليس مراوِغًا فحسب، بل إجراميًا في جوهره، إذ يعيد صياغة الجريمة لتبدو وكأنها بطولة، ويُمنَح الجلاد صفة المنقذ، بينما تُنسى الضحية في أرشيف الأرقام.

تهريب العائلات لم يكن مجرد فعل طارئ، بل كُلف بمبالغ تفوق ما يملكه الغزّيون مجتمعين، في لحظة الحقيقة، لا تملك القيادة الشريرة سوى أن تكشف عن وجهها النخبوي، الشعب يموت، والقيادات تنجو، الفقراء يحترقون، والأثرياء يُؤمَّنون، هذا ليس خللًا عرضيًا، بل نتاج بنية سلطوية تبيع الخطاب الديني والشعارات الوطنية كغطاء لأكثر أشكال الاستغلال وقاحة، القيادة التي تتخفى خلف قدسية الدين ومظلومية التاريخ بينما تعيش هي وذووها في حصانة خارج الميدان، ليست أكثر من طُغمة بيروقراطية تستخدم الدين كما يستخدم الطغاة الإعلام.

ما جرى في غزة ليس ناتجًا عن مفاجأة عسكرية أو زلزال طبيعي، بل نتيجة مباشرة لقرارات استراتيجية اتخذتها حركة حماس الإرهابية عن سبق إصرار، وبوعي تام بأن الكلفة ستكون أرواح الأبرياء، لا يمكن لقيادة أن تدّعي الشرف، وهي تُدير معركة من فوق خرائط وهمية بينما تهرِّب أبناءها سرًا، هذه جريمة أخلاقية مكتملة الأركان، لا تسقط بالتقادم، ولا تُمحى بتبريرات إعلامية، بل يجب أن تُسجّل في الذاكرة الوطنية كدرس في الخيانة المستترة بالشعارات.

في قاموس حماس الخبيث، الشهيد هو من يتبع التنظيم، أما من يُقتل من خارج السياق الحزبي، فهو رقم زائد، هذه الثقافة التنظيمية المريضة تُفرغ مفاهيم الشهادة والبطولة من معناها، وتحوّلها إلى امتياز حزبي يُمنح بقرار داخلي، لا بشرف الموقف، لقد سُرقت البطولة من الأمهات، من الأطفال، من المدنيين، وتمّت مصادرتها لصالح من يُديرون هذه الملحمة من شققهم المحصّنة، لا بطولة في قرار يُؤدي إلى المجزرة، ولا شرف في التوقيع على موت الآخرين باسم الدين.

ما من مخرج من هذا الخراب إلا عبر كسر الصمت الشعبي، الحل ليس في استبدال قيادة بأخرى من نفس الطينة، بل في إعادة تعريف القيادة نفسها، من تمثيل نخبوي إلى تمثيل شعبي حقيقي، المحاسبة يجب أن تبدأ من الداخل، لا من خلال الأمنيات، بل بالمحاسبة السياسية الصارمة، والمساءلة الأخلاقية الكاملة، الشعب الذي لا يحاسب قادته، هو شعب محكوم عليه أن يُستهلك إلى الأبد كوقود لحروب لا يملك مفاتيحها.

إن استعادة الكرامة الفلسطينية لا تبدأ بشعارات جديدة، بل بالاعتراف بأن هناك من خان الأمانة، ومن استخدم جثث الأبرياء كمنصة للظهور، لا مقاومة بلا صدق، ولا مشروع تحرر يقوم على الكذب والتمييز الطبقي والاختباء خلف الأطفال، الثأر الحقيقي للشهداء ليس في إحياء من قتلوهم بشعارات مزيفة، بل في إسقاطهم من مقام القيادة، وتجريدهم من شرعية لطالما كانت قائمة على الخوف أو التزييف.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.