: آخر تحديث

مسرحية السجن.. حين يفضح الوهنُ قناعَ البطولة

2
3
3

 

في مشهدٍ يُجسِّد قاعَ السقوط الأخلاقي ويكشف هشاشةَ القوة المُدّعاة، اقتحم وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرّف، إيتمار بن غفير، زنزانة الأسير الفلسطيني القائد مروان البرغوثي في سجن "غانوت". لم يكن الهدف تحقيقًا ولا حوارًا، بل استعراضًا أجوفَ للقوة وتهديدًا مباشرًا بالقتل، إذ قال للبرغوثي: "من يقتل أطفالنا أو نساءنا سنمحوه.. أنتم لن تنتصروا علينا".
لكن ما أراده بن غفير مشهدًا دعائيًا للداخل الإسرائيلي، تحوّل إلى وثيقةٍ دامغة تكشف طبيعة العقلية الاستعمارية، وتُعيد الاعتبار لرمزية البرغوثي الذي بدا – حتى وهو خلف القضبان – أكثر حضورًا من سجّانه.

التهديد في العزلة: ذروةُ الجُبن والنذالة
ما البطولة في أن يقف وزيرٌ، مُحمًى بجيشٍ من الحراس وأسوار السجون، أمام أسيرٍ مُقيّد في زنزانةٍ انفرادية ليلقي عليه بالوعيد؟ أين الشجاعة في تهديد رجلٍ لا يملك سوى إرادته وقضيته العادلة؟ إنها ليست شجاعةً، بل نذالةٌ وجُبنٌ مُقنّع بالعنف.
لقد فضح بن غفير، بفعلته هذه، المنظومةَ الأخلاقية المتداعية التي يقف عليها، حيث يصبح التلذذُ بإذلال العاجزين وتخويف المقيّدين دليلًا مزعومًا على "القوة".
بل إن التهديد في الزنزانة لم يكن سوى جزءٍ من مسلسلٍ طويل. فقبل أشهر، تعرّض البرغوثي لاعتداءاتٍ وحشية في سجن "مجدو"، تركته يعاني من كسورٍ في الضلوع ونزيفٍ في الأذن، بينما يُنقل بين السجون كأسير "شبح" محرومٍ حتى من رؤية محاميه. هكذا قدّم بن غفير نفسه، ومن خلفه حكومته، بصورة الجبان الذي يستقوي على المقيّدين ويستعرض عضلاته على من لا يملكون سوى صمودهم.

الضعف المتنكِّر: إسرائيل في مرحلة الأفول
هذا الفعل الهستيري ليس منعزلًا، بل هو تعبيرٌ صارخ عن حالة الانهيار الداخلي التي تعصف بالكيان الصهيوني. حينما تتحوّل زيارات الوزراء للسجون إلى أدوات دعاية، فهذا دليلٌ لا يُدحض على:

  1. عُقدة الخوف: من رمزية المقاومة التي يُمثّلها البرغوثي حتى وهو في القيد.

  2. فشل الردع: اعترافٌ ضمني بأن السجون والتهديدات فشلت في كسر إرادةِ شعبٍ يؤمن بحقّه.

  3. استعراض العجز: البحثُ اليائس عن "نصر" وهمي يُغطي هزائمَ غزة، ويطمس صورةَ الأسير الصامد بصورة الأسير المنهك.
    ليست مصادفةً أن يظهر بن غفير في زنزانة البرغوثي اليوم. ففي لحظةٍ يبحث فيها الاحتلال عن أيّ مشهدٍ يوحي بالسيطرة، يكتشف العالم أن "القوة" المزعومة لا تتعدى تهديداتٍ فارغة لرجلٍ نحيلِ الجسد، صلبِ الإرادة. حتى في الداخل الإسرائيلي، لم يَسلم بن غفير من سخرية النواب، مثل عوفر كسيف الذي غرّد: "الكاهاني البائس سيكون خلف القضبان، والبرغوثي سيقود فلسطين".

وهم الشرعية وسقوط الأخلاق
بن غفير، بتهديده الأسير الأعزل، لم يُدنِّس فقط كرامةَ البرغوثي، بل أسقط ما تبقّى من ادعاءات "الجيش الأخلاقي". كيف تُطالب دولةٌ العالمَ باعتراف، وهي تمارس الإرهابَ النفسي ضد سجناءَ سياسيين؟
إنها مفارقةٌ صارخة تكشف زيفَ الادعاءات، خاصةً حين تُفرض عقوباتٌ دولية على بن غفير بسبب تحريضه على العنف، بينما يُكافَأ في حكومة الاحتلال. وهكذا انقلب المشهد عليه: ما بثّه كدعايةٍ تحريضية صار مناسبةً للاحتفاء بالبرغوثي، وإبراز صلابته في مواجهة جلاده.
أما دوليًا، فقد سبقت بريطانيا وأستراليا وكندا ونيوزيلندا والنرويج بفرض عقوباتٍ على بن غفير لسلوكه العنصري، ما يجعل ظهوره في هذا المشهد امتدادًا لسجلٍّ أسود من التحريض والانفلات.

ختامًا: التهديد اعترافٌ بالهزيمة
وأخيرًا، كانت هذه الزيارة جزءًا من سياسةٍ إسرائيليةٍ منهجية تستهدف كسر رمزية الأسير الفلسطيني ونزع مكانته، كما جرى سابقًا بمحاولات التضييق على عائلات الأسرى أو تقليص مخصصاتهم. غير أن النتيجة جاءت عكسية: فكلُّ صورةٍ للبرغوثي خلف القضبان تتحوّل إلى رمزٍ يفضح وحشية الاحتلال، ويُجسّد معاناة آلاف الأسرى الفلسطينيين.
حين يدخل وزيرٌ إسرائيلي، بحراسةٍ مشددة، ليهدد أسيرًا في زنزانة، فإن إسرائيل لا تُسجّل نصرًا، بل هزيمةً أخلاقيةً وسياسيةً جديدة. لقد قدّم بن غفير للعالم دليلًا ملموسًا على:

  • انعدام الأخلاق لدى قادته.

  • الخوفِ المرضي من رموز المقاومة، حتى وهي معتقلة.

  • الوهنِ الحقيقي المتخفي وراء استعراضات القوة الوهمية.

  • مأزقِ كيانٍ لم يَبقَ له سوى استعراضاتٍ جوفاء.
    إن مسرحية السجن هذه لن تُخيف البرغوثي ولا شعبه، بل ستُضيف صفحةً جديدة إلى سجلّ الصمود الفلسطيني. سيذكر التاريخُ هذا المشهدَ حينما كان جلادٌ متطرّف يهدد أسيرًا أعزل، بينما العالم يشهد كيف تتحوّل الأقفالُ إلى منصّات حرية، والزنازينُ إلى ميدانٍ آخر لهزيمة المحتل.

#نافذة
لله دَرُّك أيها المناضلُ الفلسطيني، يخشَونك حتى وأنت في زنزانتك، فأيّ مهانةٍ لهم وقد ظهروا على هذه الصورة المخزية أمام العالم أجمع.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.