: آخر تحديث

حَبَزْبوُز

2
2
3

يحتاج رسامو الكاريكاتير إلى كثير من التعاطف في وضعنا الراهن. ماذا بقي لهم ليسخروا منه؟ سرق منهم السياسيون لبّ فاكهتهم، أي فكاهتهم، واستأثروا بالعجيب من التصرفات، والمفارقات، والمواقف البواعث على الهزل. إن رئيس أقوى دولة في العالم هو اليوم ملك الدعابة.

بحثت في المعجم، الذي ما زلت أحبّ أن أسميه القاموس، عن مرادفات الدعابة. فأعطاني التالي: حلاوة، ظرف، عبث، عذوبة، فكاهة، لعب، لهو، لطف، مرح، مزح، مجون. كلها تصلح لوصف سيد البيت الأبيض، وفوقها الخفة، والعنجهية، وتواضع الثقافة. أقول هذا وأنا ممتنة للصدر الواسع للأميركان. يمكنني أن أقول في رئيسهم أوصافاً لا أتجرأ على البوح بها في غيره.

لطالما أحببت الرسوم الهازلة، وفنانيها، ومجلاتها. تأتينا (صباح الخير) من القاهرة إلى بغداد فنفرح بها ساعة من المتعة، ونحفظ أسماء محرريها، ورساميها. وقد كانت لنا صحافتنا، ورسامونا لكن الفارق كبير بين هزلنا، وهزلهم. وكم شعرت بالأسف لأنني لم أعش في زمن الصحافي العراقي الرائد نوري ثابت، ومجلته الساخرة «حبزبوز». وهذا واحد من الأسماء التي كان يوقّع بها تعليقاته الطريفة على الأحداث.

من أسمائه المستعارة أيضاً: بياع شرّاي. جدّوع بن دوخة. معلومكم. غشيم. والمعلم نوري. كان بالفعل معلماً في فنون التهكم على النواب الفاسدين، والوجهاء اللصوص. الكثير من مقالاته ما زال صالحاً لكثير من نوابنا الحاليين. ينشر المقال من هنا فيأتيه إنذار من مدير الدعاية والنشر يبلغه بإيقاع عقوبة على مجلته لتطاولها على زعيم دولة صديقة. وكان نوري ثابت قد كتب يصف موسوليني بالطاغية لهجومه على الحبشة. وانزعج السفير الإيطالي واشتكى. ماذا كانت العقوبات في تلك الفترة المبكرة من ثلاثينات القرن الماضي؟ تعطيل الصحيفة لخمسة أعداد. لا سجن، ولا قطع رزق، ولا كاتم صوت.

مات نوري ثابت في خريف 1938 وتوقفت «حبزبوز». لكنني لحقت في 1976 برسام الكاريكاتير فيها: مصطفى طبرة. كان يشارف على السبعين، ويحتفظ بذاكرة دلفين. استقبلني في بيته المتواضع في شارع سعدة بالأعظمية. وأسعدني أن هناك شارعاً باسم امرأة من ساكني الحي، وكانت على قيد الحياة. لكن تلك حكاية أخرى.

كان طبرة مصوراً، وخطاطاً التحق بالأسرة الحبزبزية رساماً للكاريكاتير، يوقّع رسومه بـ«أبو طبرة». رسم ذات يوم حصاناً جامحاً سمّاه وايزمان، ويمسك الفلسطينيون بلجامه من الجوانب الأربعة. وكانت النتيجة تعطيل المجلة بسبب تلك الصورة. حكى عن رسامين عراقيين سبقوه إلى هذا الفن، بينهم عبد الجبار محمود، والحاج ناجي، وسعاد سليم شقيق النحات جواد سليم، ويفاجئني بأن الرسام الرائد فائق حسن كان يشخبط الكاريكاتير.

في العدد 138 من المجلة كتب نوري ثابت: مصورنا أبو طبرة شخصية فذة في بابها. فالابتسامة بل الضحك لدرجة القهقهة لا يفارق ثغره الذي يتسع، في الحقيقة، لكرة قدم.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد