محمد مفتي
الحرب التي اندلعت مؤخراً بين إيران وإسرائيل لم تكن مفاجئة على الإطلاق بل كانت متوقعة تماماً، فقد تضافرت عشرات العوامل التي أكدت أن هناك العديد من الأسباب الكافية لاشتعال هذا الصراع عسكرياً، فمنطقة الشرق الأوسط تعيش على صفيح ساخن منذ اندلاع أحداث السابع من أكتوبر، ومع توسع نطاق الحرب وتجاوزها لدول ومناطق عديدة أضحى الجميع في انتظار لحظة اشتعال حرب طويلة المدى، وبخلاف ذلك فقبل اندلاع الحرب الإيرانية الإسرائيلية صرّحت إسرائيل بأنها لن تنتظر نتيجة مفاوضات برنامج إيران النووي، كما أن الولايات المتحدة صرّحت مراراً وتكراراً بأن الخيار العسكري في التعامل مع إيران مطروح بقوة.
عندما تعلن الولايات المتحدة أن الخيار العسكري مطروح، وفي المقابل نجد أن الطرف الثاني الآخر المعني بالقضية متشدّد في موقفه ولا يبدي أي نوع من المرونة أو التوجه نحو حل القضايا العالقة سلمياً، يمكننا حينئذٍ أن نتوقع أن هناك تنسيقاً واتفاقاً في المواقف بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فمن الصعب تصور أن إسرائيل بدأت ضرباتها ضد إيران دون الحصول على ضوء أخضر من الولايات المتحدة، فتصريحات الإدارة الأمريكية خلال فترة استهداف إسرائيل لإيران تتضمن الكثير من التشجيع والتأييد لقصف المزيد من الأهداف الإيرانية.
صرح الرئيس الأمريكي ترمب خلال أحد لقاءاته الصحفية خلال فترة الحرب أن تدمير بعض المفاعلات النووية الإيرانية يحتاج لقدرات ليست متوفرة لدى إسرائيل، من أهمها الصواريخ القادرة على اختراق التحصينات الإيرانية المنيعة في أعماق الأرض، والتي لا تملكها سوى الولايات المتحدة، وهو ما حدث بالفعل حيث قامت الولايات المتحدة بتحقيق ما عجزت إسرائيل عن تحقيقه وقامت بشن ضربات موجعة -وصفتها بالناجحة تماماً- لثلاث منشآت نووية إيرانية بارزة.
لا شك في أن الضربات التي تبادلها الطرفان الإيراني والإسرائيلي كانت منهكة ومرهقة لكليهما، كما أنها استنزفت الكثير والعديد من الموارد المالية والبشرية والبنى التحتية في كلتا الدولتين، وفي الداخل الإسرائيلي نجد أن الشعب الإسرائيلي الذي لا يزال يداوي جراحه جرّاء حرب غزة، وجد نفسه فجأة في مرمى الصواريخ الإيرانية بعيدة المدى، مما أصاب غالبية السكان بالرعب والهلع ودفعهم للهروب للملاجئ الآمنة هرباً من القصف الصاروخي الإيراني الذي تمكّن من إلحاق الأذى بالعديد من المباني المدنية في قلب إسرائيل نفسها.
من المؤكد أن هناك فارقاً كبيراً بين حربي غزة وإيران بالنسبة لإسرائيل، فحرب غزة حرب حدودية ملاصقة لإسرائيل، وهو ما مكّنها من توجيه ضربات قاصمة وموجعة باستخدام المدرعات والدبابات والطائرات لحركة حماس زادت من تضخيم خسائرها، وذلك في الوقت الذي تكلفها فيه حربها مع إيران الكثير، بسبب البعد الجغرافي والتكاليف الباهظة للآلة الحربية الحديثة والمتطورة المستخدمة في هذا الصراع.
المتتبع لتصريحات الحكومة الإسرائيلية قبيل الإعلان عن وقف الحرب بقليل يجد الكثير من التصريحات النارية الصادرة من الجانب الإسرائيلي والتي تعلن بوضوح أن الحرب لن تنتهي عما قريب، وأنه لا تزال هناك قائمة طويلة من الأهداف الإيرانية التي تسعى خلفها إسرائيل وتهدف لقصفها وتدميرها، غير أنه من المرجح أن المظاهرات العارمة التي تندلع كل يوم في إسرائيل بسبب تكاليف الحرب الباهظة التي يتكلفها المواطن الإسرائيلي، مع الاستهلاك المكثف لذخيرة الحرب الأمريكية، هما السبب في إجبار إسرائيل على الموافقة على التوقف قليلاً لالتقاط الأنفاس.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل توقفت الحرب فعلاً؟ لعلها توقفت بالفعل لبعض الوقت ريثما يتمكّن كل طرف من تقييم أضراره وترتيب أوراقه والتفكير في ما حدث، ولكن هل ستتخلى إيران عن برنامجها النووي؟ من الواضح تماماً أنه إن لم تعلن إيران صراحة عن تخليها عن هذا البرنامج المثير للجدل فإن الحرب لم تنتهِ بعد، فقد تتمكّن إيران من إعادة ما تم تدميره مستقبلاً حتى وإن استغرق الأمر منها بعض الوقت، ولاسيما أنها راكمت الكثير من الخبرات نتيجة عمل مكثف لعقود طويلة في بناء هذا البرنامج النووي.
عندما قامت إسرائيل من قبل بتدمير المفاعل النووي العراقي العام 1981 فإن ذلك لم يوقف العراق عن إنتاج أسلحة الدمار الشامل، فأسلحة الدمار الشامل ليست بالضرورة نووية فحسب، فهناك العديد من الأسلحة المدمرة غير النووية، ولذلك فإن تدمير المفاعلات النووية الإيرانية ليس نهاية المطاف، فالحلول لا بد وأن تكون شاملة وعادلة، وهو ما يتضمن أن تتوقف إسرائيل عن استفزازاتها، وإلا فإن التوقف عن الحرب لن يكون سوى هدنة مؤقتة لالتقاط الأنفاس إلى أن تعود الحرب لتندلع من جديد.