عماد الدين حسين
مساء الخميس الماضي 3 يوليو أجرى الرئيسان الأمريكي، دونالد ترامب، والروسي فلاديمير بوتين، مكالمة هاتفية يمكن أن يكون لها تأثير كبير على العديد من الملفات، خصوصاً أزمة أوكرانيا.
نعود للحديث عن مغزى المكالمة الأخيرة، ومن الطبيعي أن موسكو أعادت التأكيد على موقفها فيما يتعلق بأزمة أوكرانيا، وأنها لن تتخلى عن أهدافها هناك، وستسعى للقضاء على الأسباب العميقة التي أدت إلى نشوب الأزمة، لكن في المقابل فإنها لا ترفض استئناف المفاوضات مع أوكرانيا إرضاءً لترامب.
ونعلم أن القوات الروسية شنت ما أسمته عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا في 22 فبراير 2022، وتمكنت من السيطرة على حوالي ثلث الأراضي الأوكرانية.
المهم هو أن ترامب قبل إجراء المكالمة بساعات مع بوتين كان قد قرر وقف إمداد أوكرانيا بشحنات من منظومات الدفاع الجوي من طراز باتريوت، وكذلك صواريخ دقيقة، وتبريره أنه يهدف إلى ضمان حماية مخزون الولايات المتحدة من هذه الأسلحة. هذا التطور أدى لاكتمال سيطرة روسيا على إقليم لوغانسك.
وقرار ترامب وقف تزويد كييف بالأسلحة النوعية هو أمر شديد الأهمية، ويتسق مع وعود ترامب الانتخابية، وكذلك تعامله الفج والمهين مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي في 28 فبراير الماضي، ونتذكر وقتها أيضاً أنه علق المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا حتى توقع الأخيرة على اتفاق المعادن النادرة سداداً للديون الأوكرانية المستحقة للولايات المتحدة، والتي يقدرها ترامب بأكثر من 300 مليار دولار، وقد تم توقيع الاتفاقية بالفعل بعد أسابيع من هذا اللقاء العاصف وبالشروط الأمريكية.
لم يعد سراً أن ترامب معجب بشخصية الرئيس الروسي بوتين، وليس سراً أيضاً أنه لا يكن الكثير من الود للرئيس الأوكراني زيلينسكي، وهو دائم التنمر والتندر عليه من السخرية من ملابسه إلى وصفه بأنه أكبر محتال تمكن من النصب على الولايات المتحدة وأوروبا، وحصل منهم على الأموال والمساعدات الاقتصادية والعسكرية.
عودة ترامب إلى البيت الأبيض كانت خبراً سيئاً جداً لأوكرانيا والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، وكانت أوكرانيا الأكثر تضرراً، وبالتالي فإن روسيا هي الأكثر ربحاً من انتخاب ترامب، خصوصاً بعد قطيعة دبلوماسية حادة بين موسكو وإدارة الرئيس السابق جو بايدن، وعقوبات أمريكية غير مسبوقة ضد روسيا كادت أن تشعل حرباً عالمية.
ترامب ورغم وده العلني مع بوتين إلا أنه يمارس هوايته في التصريحات المتقلبة والصادمة، وقبل أيام من المكالمة الأخيرة وصف ترامب بوتين بأنه بلعب بالنار، وبعدها بأيام خرج عضو مجلس الشيوخ البارز لندسي غراهام ليقول بأن ترامب سيفرض عقوبات اقتصادية على روسيا.
نعلم أن ترامب يكرر دائماً أنه يحاول إقناع بوتين بهدنة مؤقتة تقود لاتفاق مع أوكرانيا، حتى يقول للعالم أنه تمكن من حل المشكلة وإنقاذ العالم من حرب عالمية جديدة، لكن كما نعلم فإن بوتين لم يغير أهدافه الأساسية من الحرب، وفي نفس الوقت فإنه لا يريد أن يدخل في صراع جديد مع ترامب بعد أن جرب هذا الأسلوب مع بايدن.
بوتين يدرك جيداً أن أوروبا ورغم كل ما تقدمه من مساعدات عسكرية واقتصادية لأوكرانيا، فإنها تظل عاجزة من دون الدعم الأمريكي الذي قلصه ترامب إلى حد كبير، ومن الواضح أن دبلوماسية المكالمات والقمم الهاتفية لعبت دوراً مهماً في تفكيك جهاز الضغط الغربي على روسيا، وصار واضحاً مدى أهمية الحوار الشخصي، حيث يناقش ترامب وبوتين كل الملفات سواء كانت عسكرية واقتصادية أو حتى التعاون حول القيم التقليدية والثقافة.
وفي كل الأحوال فإنه يصعب الرهان على سلوك محدد للرئيس الأمريكي في شأن علاقته مع بوتين وروسيا أو مع أي دولة أخرى، فالرجل صار نموذجاً للدبلوماسية الصادمة التي لا يمكن التنبؤ بسلوكها في أي قضية ومع أي دولة.