: آخر تحديث

سانشيز السياسة وسانشيز الفن

7
7
6

سليمان جودة

المهتمون بالشأن العام في العالم يجدون أنفسهم هذه الأيام منقسمين بين الانشغال إما بنجمة الفن لورين سانشيز، وإما بالسياسي بيدرو سانشيز، ومع ما بينهما من مسافة واسعة من حيث مجال عملهما.

وعندما انعقدت القمة العربية في بغداد 17 مايو كان الرجل مدعواً لحضور أعمالها، وكان هو رئيس الحكومة الأوروبي الوحيد، الذي تلقى دعوة، وكان للدعوة مبررها، فهو لم يخذل الفلسطينيين في أي محفل منذ بدء الحرب على القطاع، وإذا شئت فراجع موقفه الأخير أثناء انعقاد المجلس الأوروبي في بروكسل.

ورغم أن هناك ساسة أوروبيين وقفوا مع الفلسطينيين ولا يزالون، إلا أن رئيس الحكومة في مدريد كان ولا يزال متفرداً في وقوفه، وفي موقفه، وكان ولا يزال يستحق كل تحية على ما بذل من مواقف غير عابئ بما قد يكون لمثل هذا الموقف من عواقب سياسية عليه، وعلى بلاده، فهو إنسان ذو ضمير حي قبل أن يكون سياسياً متميزاً، وعندما تنتهي هذه الحرب، ويأتي أوان حصاد المواقف المختلفة إزاءها فسوف يكون موقف بيدرو سانشيز في طليعة المواقف التي لا بد من تسجيلها أمام الناس.

أما لورين سانشيز فقصة أخرى، لأنها نجمة من نجوم الفن، ولأنها عروس تزوجت الملياردير الأمريكي، جيف بيزوس، ولأن حفل زفافها ملأ وسائل الإعلام، ولأن شخصيات عامة كبيرة، وكثيرة حضرت الحفل، وقد كانت الملكة رانيا، عقيلة عاهل الأردن، وإيفانكا ترامب، ابنة الرئيس الأمريكي في المقدمة من تلك الشخصيات.

وقيل إن ترامب تلقى دعوة لحضور الحفل، الذي أقيم في مدينة البندقية الإيطالية، إلا أنه اعتذر، ولا بد أن زعماء في العالم تلقوا الدعوة نفسها من العريس، الذي يجري تصنيفه على أنه ثاني أغنى أغنياء العالم.

ورغم أن البندقية شهدت حفلات زواج من قبل مرات عدة، ورغم أن جورج كلوني مثلاً أقام حفل زواجه فيها، وكذلك فعلت النجمة سلمى حايك، وغيرهما، إلا أن حفل زواج بيزوس بدا مختلفاً، ليس من حيث ما تم إنفاقه فيه، ولا من حيث عدد الضيوف الذين توافدوا من أرجاء العالم، ولكن من حيث صداه بين أهل المدينة نفسها.

إن إقامة حفل زواج في المدينة على هذا المستوى، وبهذا العدد من الضيوف، ينطوي لا شك على دعاية واسعة لها، ويلفت إليها الانتباه، ويجعل نجوماً كثيرين يفكرون في الذهاب إليها إذا قرروا الزواج الذي يجذب الأنظار، ومع ذلك فإن تظاهرات احتجاج من بين أبناء البندقية خرجت ضد الحفل، وضد أن يقيم بيزوس حفل زفافه فيها! وعندما تبحث عن سبب مقنع للتظاهرات لا تجد، لأن الحديث عن أن الحفل أغلق نصف المدينة ليس مبرراً مقنعاً، فالحفل أغلق شارعاً أو شارعين، أو حتى منطقة، ولم يغلق نصف المدينة بالتأكيد، وحتى إذا كان قد أغلق نصفها فإن ذلك تم لنصف يوم، أو ليوم أو ليومين، وبالتالي فالأمر ليس في حاجة لتظاهرات احتجاج من نوع ما تابعناه.

هل السبب هو مجرد غيرة من بيزوس ومن أمواله ومن ثروته؟ يجوز، فالمتظاهرون رفعوا لافتات تفهم منها أنه مع ثروته الطائلة لا يدفع من الضرائب إلا كذا وكذا، ولا تعني كذا وكذا هنا إلا أنه يدفع من الضرائب أقل مما يجب أن يدفعه، ورغم أنه أعلن تبرعه بمبلغ أربعة ملايين يورو للمدينة، إلا أن ذلك لم يمنع المحتجين على حفل زواجه من مواصلة الاحتجاج.

هل الاحتجاج سببه أن بيزوس ليس نشطاً في أعمال الخير كما يفعل وارين بافيت مثلاً أو بيل غيتس؟ ربما، فالاثنان مشهوران بأنهما يقدمان الكثير لأعمال الخير، وكلاهما لا يترك مناسبة إلا ويتكلم فيها عن الدور الاجتماعي، الذي يقوم به، ويقدم فيه من ثروته متطوعاً، وعن طيب خاطر، ولكن يبدو أن أنصار البيئة يرون في كل صاحب رأس مال كبير من نوع بيزوس عدواً للبيئة إلى أن يثبت العكس، ولذلك رفعوا لافتات تقول إنهم ضد بيزوس وما يمثله بيزوس! وفي كل الأحوال فإن هذه مناسبة أتاحت لنا نوعاً من الرياضة العقلية في المقارنة بين سانشيز السياسة وسانشيز الفن.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد