سليمان جودة
رغم الأخبار الكثيرة التي تدعو إلى اليأس من حولنا في المنطقة وفي العالم، إلا أن الأمر لا يخلو من أخبار أخرى في المقابل تدعو إلى الأمل وتراهن عليه .. في المقدمة من هذه الأخبار ما قرأناه في السابع من هذا الشهر عن مبادرة «تحدي القراءة العربي» التي تحظى برعاية خاصة من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله.
لقد كتب سموه على منصة «إكس» يقول: «أشرف لغة .. وعاء ثقافتنا .. رمز حضارتنا .. شعار وحدتنا وتاريخنا.. اللغة العربية الخالدة ليس لها طفولة ولا شيخوخة .. محفوظة بحفظ الله لها .. تحدي القراءة العربي أحد مشاريعنا القريبة من قلوبنا لتعزيزها في قلوب أجيالنا. في دورته التاسعة بلغ عدد المشاركين 32 مليون طالب من 132 ألف مدرسة في 50 دولة حول العالم».
وعندما نقارن بين هذه الدورة والدورة الثامنة يتبين لنا أن الذين شاركوا فيها 28 مليوناً من الطلاب والطالبات، وهذا يعني أن المشروع يحقق زخماً في كل سنة، وأنه يكبر عاماً بعد عام، وأنه يجذب المزيد من الملايين في كل سنة.
الفكرة في المشروع أن يقوم كل طالب مشارك بقراءة وتلخيص 50 كتاباً، وفي التصفية بين الطلاب المشاركين تعمل لجان التصفية على اختيار ليس فقط الذين قرؤوا ولخصوا، وإنما تذهب إلى اختيار الذين استوعبوا ما قرؤوه وما لخصوه .. وبذلك يتضح لنا أن المشروع عبارة عن سباق في الاستيعاب بين ملايين الطلاب والطالبات، وأن كل متسابق يحرص بالضرورة على أن يُثبت أنه أكثر استيعاباً من سواه فيما قرأ وفيما لخص وفيما تقدم به إلى لجان التصفية.
إننا نطالع كثيراً أن أول كلمة نزلت من القرآن الكريم كانت «اقرأ»، وأن الله تعالى لما اختارها لتكون أول كلمة مُنزلة من كتابه الكريم، كان يريد أن يسوق إلينا الكثير من المعاني من وراء ذلك، ولكن المعنى الأهم هو أن الكلمة دعوة مباشرة إلى القراءة.
نطالع ذلك كثيراً ويطالعه معنا بالتأكيد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ولكنه لم يشأ أن يتوقف عند حدود المطالعة مثل كثيرين منا، وإنما راح يقرن مطالعته بترجمة عملية للمعنى الذي أرادته السماء حين جعلت هذه الكلمة أول كلمة في كتاب الله العظيم.
يقول معالي محمد بن عبدالله القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء، الأمين العام لمؤسسة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، إن مبادرة تحدي القراءة تمثل واحدة من أبرز مبادرات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في بناء الإنسان العربي وترسيخ حب القراءة، وتعزيز شغف المعرفة في نفوس الأجيال الجديدة. والحقيقة أننا نجد أنفسنا أمام مبادرة تستحق كل حفاوة وتستأهل كل احتفال، لأنها لا تبغي شيئاً سوى دفع الجيل الجديد إلى أن يقرأ وأن يعرف وأن يتربى لديه الشغف المتواصل بالقراءة والمعرفة وبكل ما من شأنه أن يضيء عقل الإنسان.
أما لماذا تستحق هذا كله، بل وما هو أكثر منه من حفاوة واحتفال، فلأنها تشير لنا إلى أن ما يقال عن انشغال الجيل الجديد بالهامشي من القضايا مسألة تحتاج إلى مراجعة.. فها هي مبادرة لا تدعو جمهورها من الشباب إلا إلى القراءة وبكل ما تقتضيه القراءة من جدية واحتشاد واهتمام، فإذا بها تجتذب الملايين من شباب العرب لا الآلاف فقط ولا عشرات الآلاف ولا حتى مئات الآف .. ليس هذا وحسب، ولكن المبادرة تكتسب المزيد من الجماهيرية في كل دورة، ولا تأتي دورة جديدة من دوراتها إلا وتقول لنا أنها مبادرة خاطبت وتخاطب حاجة لدى الشباب، وأنها تعزف على وتر في داخل كل شاب سارع وتجاوب وقرأ ولم يتخلف عن المشاركة.
ولا شك في أن كثيرين بيننا يجزعون عندما يرون جيل الشباب متعلقاً بالموبايل إلى هذا الحد، ومنشغلاً بما يقدمه من أمور هامشية إلى هذه الدرجة، ولكن هؤلاء الذين يجزعون ويشفقون على الشباب من التعلق بأجهزة الموبايل والانشغال بها، سرعان ما سوف يتغلب الأمل عندهم على الجزع واليأس فيغلبهما، وسرعان ما سوف يجدون في مؤشرات المشاركة المتزايدة ما يبعث في النفس كثيراً من التفاؤل.
من المهم أن نتوقف أمام كلمة تحدي في المبادرة، لأن استخدام الكلمات في اللغة هو اختيار في النهاية، ولأن اختيار هذه الكلمة دون سواها في قاموس اللغة لا بد أنه أمر مقصود، والقصد في اختيار كهذا أن يفهم كل مشارك أنه مقبل على شيء يقوم على التحدي الذي يستنفر بطبيعته كل ما في الإنسان من طاقة، وهذا في حد ذاته يكفي في مقام الإشارة إلى واحد من أبعاد هذه المبادرة ذات الشأن الرفيع.