يبدو لافتاً الانشغال التركي المكثف بمسألة عودة العلاقات مع سوريا وتدرّج التعبير عنه من الرئيس رجب طيب أردوغان إلى وزير خارجيته ورموز في المعارضة التركية.
لا غرابة في سعي دولة إلى إصلاح علاقاتها مع أخرى، أو حرصهما المتبادل على ذلك، ففي السياسة لا مستحيلات، والدولتان كلتاهما، أي سوريا وتركيا، تمثلان نموذجين لذلك، فالفترة الماضية شهدت تحولات في علاقات كل ٍمنهما بمحيطها الإقليمي، وارتبط ذلك باختراقات مهمة في ملفات شهدت جموداً لأكثر من عقد، وفجأة تحركت مياهها الراكدة في أكثر من اتجاه.
نجد ذلك في تجدد روابط سوريا العربية، إن على المستوى الثنائي، أو الجماعي الذي شهد عودتها إلى الجامعة العربية.
وأعلنت تركيا في السنوات القليلة الماضية نهج «تصفير المشكلات» الذي أفضى إلى انقلاب في علاقتها بمصر، مثلاً، من تباعد حاد إلى تقارب تعامل معه الطرفان بإيجابية.
ربما يمثل الحرص التركي على إعادة العلاقات مع سوريا خطوة جديدة على نهج «تصفير المشكلات»، لكن اللافت تسارع الخطى الأحادية حتى الآن والتقارب الزمني بينها، بل بدايتها العكسية، إذ غالباً ما يتدرج التحرك في مثل هذه الملفات من دوائر سياسية أو دبلوماسية أقل تمهّد لمشاورات أو لقاءات على مستوى أعلى، وصولاً إلى لقاء أو أكثر على مستوى الرئيسين.
في التحرك التركي الحالي، الرئيس رجب طيب أردوغان هو الأكثر حضوراً في مساعي إعادة التواصل مع سوريا بتأكيده المتكرر أن نظيره السوري بشار الأسد مدعوّ في الوقت الذي يحدده لزيارة أنقرة، وأنه يتطلع إلى استئناف ما يصفه بالعلاقات التاريخية بين البلدين.
المعلن أيضاً على لسان أردوغان أن روسيا والعراق يتوسطان في هذا الصدد لدى الجانب السوري، ومن الطبيعي أن يكون ذلك بطلب من تركيا، وأن لكل منهما مقاربته الخاصة في المسألة.
بعيداً عن مقاربتي الوساطة، لا شك أن وراء هذا الإصرار التركي أسباباً متنوعة، فالبعض يربطه بما يراه البعض مشاعر عداء في المجتمع التركي تجاه اللاجئين السوريين، وأن أردوغان يخطط لإعادتهم إلى بلدهم، وليس أمامه من وسيلة لذلك إلا الاتفاق مع الجانب السوري. وهناك من يتحدث عن فوائد اقتصادية للتقارب، أو أهميته في التصدي للسعي الكردي للحكم الذاتي في شمال شرق سوريا، أو في التنسيق في حال اتساع الحرب في غزة وأخذها بُعداً إقليمياً.
كل هذه الدوافع قد تصلح لتفسير الاهتمام التركي باستئناف العلاقات مع سوريا، لكنه قد لا يكون قريباً؛ تأسيساً على رد دمشق الذي لم يشكك في جدية المبادرة التركية، لكنه يرى أن ترجمتها إلى واقع يستلزم جملة من المبادئ. رد سوريا جاء على لسان وزارة الخارجية، مطالباً بضمانات، سماها البعض شروطاً، لتنجح أي مبادرة في إعادة العلاقات إلى حالتها الطبيعية، وأولها انسحاب القوات التركية الموجودة بشكل غير شرعي على أراضيها، ومكافحة المجموعات الإرهابية التي تهدد البلدين.