لطالما كانت صناعة الأسلحة مرادفة للوجود البشري منذ بداية الحياة على كوكب الأرض، فقد شكلت الصراعات والحروب جزءاً لا يستهان به من التاريخ الإنساني، ولم تتخذ صناعة السلاح طيلة الوقت منحى عدائياً فحسب، بل كثيراً ما اتخذت طابعاً دفاعياً لحماية الأمة وشعبها من الاعتداءات الخارجية، وبذلك أصبح هذا النوع من الصناعة فرضاً على كل دولة تريد حماية شعبها من بعض الدول العدوانية، وقد تطور مجال صناعة الأسلحة تطوراً لافتاً حتى يومنا هذا، ولعل أهم ما ساهم في تطوره هو اندلاع الحروب مما أسهم في انطلاق سباق تسلح مستمر، مدفوع برغبة كل طرف في حيازة أكبر عدد ممكن من الأسلحة المتطورة المتفوقة على نظيرتها.
ولعل أهم محطة اتخذ فيها سباق التسلح المحموم أسوأ صوره وأشدها ضراوة كان في منتصف القرن الماضي تقريباً، عقب اندلاع الحرب العالمية الأولى التي تلتها الحرب العالمية الثانية، ومن المؤكد أن أخطر ما تم استخدامه في الحرب الأخيرة كان سلاح القنابل الذرية، والتي بدأت الولايات المتحدة في استخدامها إلى أن تطورت وأصبحت ما نعرفه الآن بالسلاح النووي، وهو مصطلح أكثر شمولاً وقدرة تدميرية من السلاح الذري، وهو يشتمل على جميع الأسلحة الفتاكة كالقنابل الهيدروجينية وغيرها، غير أن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ما هي الدوافع لاستخدام هذا النوع من السلاح المدمر؟ فالأسلحة التي تمتلكها الدول العظمى في المجال الأرضي والجوي والبحري يفوق كماً وكيفاً أقرانه لدى بقية دول العالم.
لو عدنا للحرب العالمية الثانية في محاولة منا للإجابة عن هذا التساؤل، فسنجد أن الولايات المتحدة لم تستخدم هذا السلاح الفتاك على أرض المعارك أو خلال خوضها حرباً عسكرية ضد أعدائها، ولكنها استخدمته في تدمير مدينتين هما هيروشيما وناجازاكي مما تسبب في إبادتهما بالكامل، وأدى ذلك إلى مقتل مئات الآلاف من المدنيين العزل، وقد كان من الواضح أن استخدام الولايات المتحدة لذلك السلاح الذري وقتئذٍ كان بمثابة ورقة ضغط لإنهاء الحرب لصالحها، وللتمهيد لحقبة ما بعد الحرب لإعداد العالم لصعود نجمها على الساحة السياسية الدولية، فقد تم استخدام القنبلة الذرية على اليابان في نهاية الحرب وكان ذلك بعد هزيمة كل من ألمانيا وإيطاليا، ولم تكن اليابان قد أعلنت استسلامها بعد رغم أنه كان من الواضح أن هزيمتها كانت تلوح في الأفق، ولذلك كان استخدام تلك القنابل في المدينتين اليابانيتين إثباتاً من الولايات المتحدة بأنها قوة لا تقهر، وأن السلاح الذري سيمثل سلاح الردع مستقبلاً لكل من يهدد مصالحها وأمنها القومي.
باستقراء التاريخ العسكري والتسابق المحموم لاقتناء السلاح النووي يتضح لنا أن الدول الحريصة على اقتناء أسلحة الدمار الشامل تنقسم لفئتين، فئة تمثل دول عدوانية يهمها فرض سيطرتها ونفوذها على الدول الأخرى بشكل مباشر أو غير مباشر بهدف احتلالها عسكرياً أو تدميرها وإذلالها كما حصل مع اليابان، ودول أخرى حريصة على اقتنائه كسلاح ردع مهم ومؤثر للتلويح به فيما لو تم استهداف أمنها القومي، والجدير بالذكر أن امتلاك السلاح النووي يتطلب توفر منظومة متكاملة رديفة له، مثل منظومة تطوير القاذفات الاستراتيجية ليتسنى إلقاؤها على شبكة الأهداف المرغوبة، أو من خلال الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، فالسلاح النووي بحد ذاته دون توافر أدواته يظل عاجزاً عن تحقيق أهدافه.
لا يمكن بأي حال التسليم بحسن نوايا أي دولة تقوم بتطوير السلاح النووي على أراضيها في الوقت الذي يشهد فيه المجتمع الدولي وتاريخ هذه الدولة نفسه بأنها عدوانية ولها أطماع لا تخفى على أحد خارج حدودها، ولذلك فمن الطبيعي –بل والمنطقي أيضاً- أن تسعى دول الجوار في المقابل لامتلاك هذا السلاح، ولكن كسلاح ردع كما أسلفنا القول، فدفاع أمة عن وجودها وحدودها ومكتسباتها حق مشروع ويتحتم عليها القيام به، ولاشك لدينا في أن هذا السباق سيفتح أبواب الجحيم على مصاريعها في كافة أرجاء العالم قاطبة.
يعلم العالم أجمع أن المملكة العربية السعودية لم تكن يوماً ما دولة معتدية، ولم يكن لديها أطماع خارج حدود أراضيها، ولم يذكر لها التاريخ يوماً أن شرعت في تهديد أحد جيرانها، فكل سلوكياتها العسكرية تندرج تحت بند الدفاع المشروع عن أرضها وشعبها، وبما يتماشى ويتفق مع الأعراف والمواثيق الدولية المتفق عليها، والمملكة دولة قوية ذات وزن سياسي وثقل اقتصادي لا يستهان به، وهي لن تقف مكتوفة الأيدي أمام تسابق بعض دول المنطقة لحيازة أسلحة الدمار الشامل وتهديدها بها، وفي هذه الحالة لا يمكن لأي طرف من الأطراف لومها أو الاعتراض على مسعاها، فالفارق بيّن وشاسع بين أن تبدأ دولة بالسعي لامتلاك سلاح رادع لتوسيع حدودها وفرض هيمنتها، وبين أن تبدأ دولة أخرى في السعي لتحجيم هذا التفوق العسكري من خلال امتلاك نفس أسلحة الردع الشاملة، وذلك بهدف حماية أرضها وشعبها والحفاظ على أمنها واستقرارها.