: آخر تحديث

الدولة السورية والرؤية السعودية

4
3
3

من الأحداث الإيجابية على مستوى المنطقة في هذه الفترة زيارة الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع المملكة العربية السعودية في مطلع هذا الأسبوع، ويبدو أنَّ هذه الزيارة تعطي انطباعاً جيداً لمستقبل المنطقة، وأيضاً لمستقبل سوريا وكذلك مستقبل العلاقة بين البلدين. قد تكون هذه الزيارة بمثابة خارطة طريق لبناء سوريا جديدة لديها كل مقومات الحياة، بالتركيز في الفترة القادمة على حل كل المعوقات التي تجعل سوريا وشعبها في حالة أفضل، وهو أمر بطبيعة الحال يرتبط بمدى حالة الوفاق المشترك بين البلدين ودول الخليج بشكل عام في ما يخص المرحلة القادمة.

الواضح أنَّ السعودية تتحرك مع دول الخليج لتقديم يد العون لسوريا الجديدة، بعد أن لمست الرغبة الحقيقية من الإدارة الجديدة لتغيير الأوضاع وتأسيس حياة جديدة كلها أمل وتفاؤل بمستقبل حقيقي لدولة تحظى بأهمية كبرى في المنطقة. ولكي يسير هذا التوجه في الطريق الصحيح، من الطبيعي جداً أن يسعى السوريون لإعادة بناء سوريا ككيان سياسي مستقل لديه القدرة على التفاهمات الإيجابية مع كل دول المنطقة وفق السيادة السورية.

المؤشرات المبشّرة بالخير تتضح من حالة التقارب السعودي السوري في هذه الفترة، والمنطق السياسي في هذا السياق يتجه إلى أن السعودية بمقدورها اليوم، بالتعاون مع الإدارة السورية الجديدة، تقديم عمل سياسي استراتيجي وفق رؤية معينة بدعم قوي في كل الاتجاهات، سواء كان إقليمياً أو دولياً، لكن هذا الأمر يتطلب عملاً وجهوداً كبيرة على كافة الأصعدة. فعلى المستوى الأمني، الجميع يدرك خطر الإرهاب، وبالتالي هناك توجه واضح من السعودية وسوريا لتجفيف منابعه والقضاء عليه تماماً.

إقرأ أيضاً: العالم ينتظر ترامب!

حالة الالتقاء الشعبي داخل سوريا في هذه الفترة تبعث الكثير من التفاؤل، فالكل ينظر إلى سوريا كوطن واحد لشعب واحد، بعيداً عن الحزبية والطائفية، وعن كل المكونات السياسية البعيدة عن الدور الحكومي الموحّد، وهذا أمر في حد ذاته إيجابي يدفع عملية الاستقرار إلى الأمام وتحقيق مكتسبات جديدة في فترة وجيزة. ولا بد أن السعودية اليوم تنظر إلى سوريا كمرحلة جديدة مختلفة عن كل العقود السابقة، بخصائص تأسيسية مختلفة تضمن لها كدولة حالة الهدوء والإنجاز.

نحن على يقين أن السعودية قطعت شوطاً كبيراً في رفع العقوبات الدولية عن سوريا، ويبدو أن هناك نجاحات كبيرة في هذا الملف فيما يخص الاتحاد الأوروبي، والعمل الآن على الجانب الأميركي لمعالجة هذا الملف في أسرع وقت ممكن. في تصوّري، ستنجح سوريا الجديدة في العودة إلى الحضن العربي حين تضع يدها، كما تفعل الآن، في يد الجميع، وتعمل معهم من أجل مستقبل يقدم سوريا بشكل مختلف عن العقود الماضية التي أثقلت كاهل السوريين في عموم مناطقها.

إنَّ الانطلاق من قاعدة سلمية صحيحة يعجّل بنجاح أمور كثيرة، والمهم أن تتحد رغبة الشعب مع خطط الإدارة الجديدة بقيادة رئيس الدولة أحمد الشرع، ويمضوا في طريق الإصلاحات ومحاربة الفساد بكل أنواعه.

بالرجوع إلى زيارة المملكة والغرض منها، فمن الواضح أن هناك خطة عمل ستتمخض عنها هذه الزيارة بين الرياض ودمشق، ويبدو أن هناك توافقاً على المستوى السياسي والاستراتيجي بين البلدين. وبما أن السعودية تشكل عمقاً استراتيجياً في المنطقة ولديها التأثير الأكبر، لن تبخل على الإخوة في سوريا بأي دعم سياسي أو اقتصادي. نتائج هذه الزيارة سنشاهدها قريباً على أرض الواقع، ولن تبقى سوريا كدولة مخنوقة على المستوى السياسي، لأن فرص التنفس والانتقال إلى مراحل إيجابية جديدة أصبحت اليوم متاحة، بدليل ذهاب الرئيس أحمد الشرع إلى السعودية.

إقرأ أيضاً: السعودية وأمتنا العربية

إن مراحل البناء ليست سهلة كما يمكن تصوّرها، وخاصة في دولة عاشت كل صنوف الويلات طوال المئة عام الماضية. لذلك، لا أحد يعتقد أن سوريا ستتغير بين ليلة وضحاها، فالأمر يتطلب استعدادات كبيرة على المستوى النفسي والبدني، لذا يجب على الجميع التحلي بالصبر، والتطلع إلى مستقبل مشرق يفرح السوريين وكل العرب. ومتى ما كان لدى الشعب السوري روح التغيير والإصرار على فعل ما يجب فعله تجاه سوريا، ستسير الأمور في طريقها الصحيح، ومع الوقت ستتضح معالم سوريا الجديدة. فسوريا اليوم أشبه بإنسان تضرر جسده كاملاً، ويحتاج إلى العديد من الأطباء لإعادته إلى الحياة مجدداً.

إجمالاً، نحن نلمس دور بعض الحكومات في دعم سوريا، وتبقى بعض المخاوف مرتبطة بفترة زمنية مضت، إلا أن جزءاً من هذه المخاوف قد تم تجاوزه بحل كل الفصائل وانضمامها إلى الجيش السوري الرسمي. ومع تشكيل الحكومة الجديدة وفق نظام واضح، والعمل على ضبط أمور الجيش بكل تفاصيله، مع تجهيزه بكل ما يحتاج، سيصبح الوضع أكثر استقراراً. عموماً، لن تكون هناك دولة ناجحة بدون جيش وسيادة مستقلة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف