: آخر تحديث

من المسؤول عن إحباط اللبنانيين؟

4
4
2

سواء نجح رئيس الحكومة المكلف نواف سلام بتشكيل وزارته أم لم ينجح، يبدو أن موجة التفاؤل التي شعر بها اللبنانيون مع بداية العام الحالي آخذة في التراجع بعدما بنوا آمالاً كبيرة على إمكانية حدوث تغيير جدي في الأوضاع القائمة منذ أكثر من عقد.

وبعد انطلاقة مثالية تجسدت في انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية وسقوط مشروع تكليف نجيب ميقاتي بتشكيل حكومة العهد الأولى، أثار أداء وتعاطي نواف سلام زوبعة من الأسئلة وعلامات الاستفهام في عدة نقاط أبرزها التمثيل الشيعي، والمسيحي، والسني.

ولطالما تمسك الثنائي الشيعي بحقيبة المالية في الحكومات الأخيرة نظراً لامتلاك الوزير "التوقيع الثالث"، قافزين فوق مبدأ المداورة فيما يُعرف بالحقائب السيادية، وجاءت الظروف التي شهدها لبنان في العامين الأخيرين وتمسك الثنائي مجدداً بهذه الحقيبة بالإضافة إلى حقائب خدماتية وأساسية أخرى لتثير سخط أفرقاء سياسيين يصوبون بشكل مباشر على حزب الله، انطلاقاً من اعتقادهم بأنَّ الحزب لا يجوز أن يكافأ بعدما زج بالبلد في أتون حرب دمرت وقتلت وهجرت الآلاف.

أمَّا مسيحياً وسنيّاً، فيشعر ممثلو هاتين الطائفتين بالغبن، وبأن الرئيس المكلف يتعاطى معهما باستعلاء واضح، رغم كونهما أطرافاً أساسية في بلوغه السراي الحكومي. فعلى الصعيد المسيحي، يبدو أن الحقائب السيادية ستكون من حصة رئيس الجمهورية، وسيكون حزب "القوات اللبنانية"، صاحب الكتلة الأكبر في البرلمان، أمام أمر واقع يتمحور حول توليه حقائب عادية. وبالنسبة إلى "التيار الوطني الحر"، فإنه من الصعب أن يعيد الزمن إلى ما كان عليه تمثليه الحكومي في العهود السابقة.

وإذا كان رئيس الجمهورية يريد حصة الأسد من الوزراء المسيحيين، فإنَّ رئيس الحكومة المكلف يعتقد هو الآخر بأحقيته في احتكار المقاعد المخصصة للطائفة السنية، معتبراً أنه والفريق الذي سيكون معه سيمثل أبناء هذه الطائفة أينما وجدوا.

إقرأ أيضاً: الدروز "موفقون" بالشيخ موفق

أخطاء الرئيس المكلف تكمن في تلبية شروط فريق يُنظر إليه من قبل معارضيه بأنه جرّ البلد إلى حرب مدمرة، وصولاً إلى رهن قرار وقف معركة الإسناد بيد يحيى السنوار وما يقرره في بداية الأمر قبل انزلاق لبنان إلى الحرب الشاملة في أيلول (سبتمبر) 2024، ومن هذه النقطة، ينتقل معارضو الثنائي والحزب على وجه التحديد إلى نقطة ثانية تتناول المفاعيل السياسية للأعمال الأمنية أو العسكرية التي تحدث. فحزب الله مثلاً استثمر أحداث السابع من أيار (مايو) 2008 في تحصين مكاسبه الداخلية، فارضاً في اتفاق الدوحة قانون الستين الانتخابي، والثلث المعطل في الحكومة، ثم تمكن بفعل تقدمه عسكرياً على الأراضي السورية بين عامي 2013 و2016 من إيصال النائب ميشال عون إلى سدة الرئاسة في بعبدا، وسمحت الموازين له التي فرضها في الخارج في أخذ ما يريد داخلياً، وصولاً إلى تكليف حسان دياب بتشكيل الحكومة فيما بعد.

إقرأ أيضاً: هل يسقُط الجولاني في امتحان السويداء؟

معارضو حزب الله يعتبرون أن الآوان قد حان لفرض شروط اللعبة التي كان الحزب قد وضعها في السابق عليه هذه المرة، وبالتالي أولاً عدم الانصياع إلى مطالبه وحركة أمل بالحصول على حقيبة وزارة المالية، ثم استبعاده من المشهد الحكومي القادم على اعتبار أن وجوده في الصورة سيُعرقل الاندفاعة العربية والغربية لمساعدة لبنان على النهوض من كبوته الاقتصادية.

وبلا أدنى شك، فإنَّ الرئيس المكلف يتحمل إلى حد ما مسؤولية المشهدية الحالية، والانتقادات التي تصوب على أدائه وطريقة إدارته للمشاورات مع الأفرقاء السياسيين، ولكن هناك رأي يعتبر أنَّ الإحباط الذي خلفه نواف سلام في بعض القطاعات ليس مفاجئاً، فهو لا ينتمي إلى التيار السيادي المعارض بقوة لوجود حزب الله ونفوذه، وكان أفضل لو قام فريق التغيريين والسياديين بمعركة في سبيل إيصال شخصية محسوبة على هذا التيار بالكامل، عوضاً عن التلهي بأنصاف انتصارات بمعظمها إعلامية، ولا يمكن توظيفها في المسار السياسي.

إقرأ أيضاً: ماهر الأسد يعود بفضل هيئة تحرير الشام

الرأي هذا يعتقد أن الضربات التي تعرض لها حزب الله عسكرياً، ثم سقوط النظام السوري الذي كان يمثل شريان حياة الحزب، كان يجب التعاطي معها بشكل أفضل، واستغلالها على أكمل وجه، فعوضاً عن الجدل البيزنطي الذي جرى الخوض فيه، كان يجب تشكيل وفد يمثل شخصيات من هذا الفريق، وعلى رأسه رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، للقيام بجولة على عواصم عربية وغربية لوضعها في صورة ما يجري وتقديم مقترحات وضمانات للمرحلة القادمة تتضمن صورة واضحة عما يمكن القيام به من أجل تغيير الستاتيكو الذي كان قائماً منذ 2005، عوضاً عن انتظار الوفود العربية في بيروت لمناقشتها والحوار معها، واثارة نزاعات ضمن الصف الواحد عبر ترشيح شخصيات لشغل مركز رئاسة الحكومة على الإعلام، عوضاً عن الاتفاق على اسم واحد لتكليفه بعيداً عن الاضواء الإعلامية، ثم الاتفاق على شخصية أخرى في اللحظات الأخيرة والبكاء على أطلال تشكيل الحكومة وتوزيع الحقائب بعد فترة قصيرة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف